اعتبارات سياسية تُحَوّل برحليون زَفّاتة

0

صحيفة الجمهورية ـ
جويس الحويس:
على إحدى الهضاب المُزيّنة بأشجار السنديان والعفص، ووسط رائحة الوزال وكروم العنب والتين والتفّاح، تنبسِط في خـَفر لذيذ، منازل تحاكي الجمال في بساطتها وبشاشتها… منازل يستفيق أهلها على أنغام العصافير الحالمة، ويسامرون الليل بأبيات العتابا والميجنا… إنها بلدة برحليون التي ستتحوّل الى زفّاتة، أو ربّما تحوّلت، من دون أن يتنبّه لأمرها أيّ مسؤول…
معضلة واحدة أبَت إلاّ أن تُنَكّد على أهالي بلدة برحليون عَيشهم الرغيد على مقربة من أرز الربّ، عِلما بأنّ البلدة هي إحدى بلدات قضاء بشري التي تعلو عن البحر نحو 1300 م. فمن أين تأتي المعضلة الى بلدة بهذا الارتفاع ؟!
معضلة بدأت تتفاقم منذ العام 1992، وقتها، وقع الخلاف بين البلدية وأهالي منطقة برحليون، في شأن إنشاء معامل للجص والزفت وكسارات على العقار 1599.
آنذاك، توجّه الأهالي في تاريخ 28 حزيران 1992 بكتاب إلى قائمقام بشري يطلبون منه عدم الترخيص، لأنّ من شأن هذه المعامل أن تلحق أضرارا صحية بالسكان، هذا إلى جانب انعكاساتها السلبية على المزروعات. لكنّ دخان الزفّاتة ما لبثَ أن عطـّرَ الأجواء البرحليونية والقرى المجاورة لها، بمباركة من نائبي جبّة بشري، آنذاك، حبيب كيروز وجبران طوق… وفي تاريخ 12 أيلول 2009 أعطي مقاول من آل كيروز ترخيصا بإنشاء واستثمار مجبل إسفلت وباطون جاهز وجاروشة بقرار من وزير الصناعة غازي زعيتر، تحت الرقم 2590، غير عابئ بالضرر الصحي والبيئي الذي قد يتسبب به… فعمد الأهالي إلى إرسال “كتاب مفتوح إلى من يهمّه الأمر”، مطالبين “المراجع المعنية وصاحبة الصلاحية”، بالتدخّل الفوري والسريع لدرء الخطر المُحدق ورفعه في سبيل الحفاظ على الصحة والسلامة العامة والبيئة النظيفة.
كذلك، أرسل الأهالي كتابا، في تاريخ 14 أيار 2010 إلى وزير الصناعة ابراهام دده يان مطالبين فيه الأخذ في الاعتبار الاعتراضات الصادرة عنهم، “والعمل على توقيف هذا المشروع التهجيري توصّلا لإلغائه، لتجنّب وقوع الكارثة”، فجاء ردّ دده يان بتشكيل لجنة، للكشف على المصنع ومدى التزامه الشروط المنصوص عليها بالتراخيص… وبعد الكشف الميداني، قدّمت اللجنة تقريرها بتاريخ 17 أيار 2010، وأشارت فيه إلى أنّ المصنع كان متوقفا عن العمل، لافتة إلى أنّ اللجنة تمَكنت، نتيجة التدقيق والبحث، من تسجيل ملاحظات عدة، أبرزها يتعلق بمعايير صحية وبيئية لم تلتزمها الشركة، هذا إضافة إلى أنّ المصنع حائز حاليّا على رخصة مجبل زفت وباطون جاهز وجاروشة، فيما طلب الترخيص المقام من صاحب العلاقة يلحَظ مجبل زفت فقط.
وبنتيجة التقرير الذي تقدمت به اللجنة، أرسل وزير الصناعة كتابا إلى صاحب المعمل بتاريخ 20 أيار 2010، طلب منه التقيّد بسلسلة من الشروط، أبرزها فكّ الكسارة نهائيا وتشجير المنطقة. وعلى أثر عدم التزام المعمل بتوجهيات الوزير، وطلب صاحب المعمل ترخيصا من وزارة البيئة لتوسيع أعماله، عمدت الأخيرة إلى إقفال المعمل تدريجا، حتى أغلق بشكل كامل. فلجأ المقاول إلى محكمة بشري، وتمكن من الاستحصال على قرار بإعادة فتح المعمل، فتمّ استدعاء مختار بلدة برحليون وفكّت، تحت ناظريه، أختام الشمع الأحمر، وأعيد تشغيل الزفاتة من دون إرسال أي علم أو خبر إلى بلدية برحليون، حسب مصدر مطّلع طلب عدم الكشف عن اسمه.
وعَزا المصدر أسباب إقفال المعمل في المرة الأولى إلى أنّ وزير البيئة محمد رحّال وجد أنّ هناك سلسلة أخطاء بعضها قانونية وأخرى تتعلق بالصلاحيات، فلا يحقّ لوزير الصناعة إعطاء تراخيص مماثلة. وبعد عدد من المراسلات بين الوزراء المعنيين، اتخذ القرار بإقفال المعمل بالشمع الأحمر لفترة 43 شهرا.
واعتبر المصدر أنّ محكمة بشري غير مخوّلة البَت في هذا الموضوع، كون المنطقة تابعة عقاريا لمحكمة أميون.
وكان الأهالي قد اقترحوا نقل الزفاتة إلى مكان آخر، بعيدا من السكان، إلاّ أنّ الجواب الذي أتاهم: “اعطونا نِص مليون دولار، منِنقِلا”.
واللافت أنّ الأرض استؤجرت من آل السندروسي من دون أي عقد، فقد تمّ الاتفاق فيما بينهما دون إيداع البلدية الأوراق المناسبة، علما بأنّ البلدية الحالية طلبت من صاحب المعمل تزويدها بعقد الإيجار لتحديد القيمة التأجيرية حسب القانون، فاحتجّ ورفض تزويدها بأي شيء. واعتبر المصدر أنّ نائبا المنطقة ليسا جديّين في التعامل مع الملف، نظرا إلى وجود بعض الارتباطات السياسية مع صاحب المعمل، مطالبا النائب إيلي كيروز أنّ يأخذ على عاتقه تحقيق الوعد الذي قطعه للأهالي بإقفال الزفاتة بعد سنة ونصف، وهي المهلة القصوى لتزفيت المنطقة.
وفي اتصال مع النائب إيلي كيروز، أطلعنا أنّه تمّ التوَصّل إلى حلّ موقت بين صاحب المعمل والبلدية، طالبا العودة إلى رئيس البلدية روبير كرم، إلا أنّ هذا الأخير كان غائبا عن السمع بداعي السفر.
وفي انتظار الحَلّ المنشود، يَقبَع أهالي برحليون والقرى المجاورة تحت نير الهواء الملوّث الذي لا يرحم أي انسان، كبيرا كان أم صغيرا، ويمنون أنفسهم بأنّ أحدا ما سوف يسمع صراخهم، إذا كانت الآذان مفتوحة!!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.