قالوش: نسبة التلوث تخطت المسموح به عالمياً

0

صحيفة الجمهورية ـ كوين ماريل سلامة:
في ظل استفحال المركزية الإدارية، وامتداد شبكتها العنكبوتية، وارتفاع الأصوات المطالبة بتطبيق ما نصّ عليه اتفاق الطائف لجهة اللامركزية الادارية، تبقى بيروت… العاصمة. ويظهر جليا التطور والنمو اللذان يطالان بيروت الادارية كما بيروت المحافظة.
لاستيضاح واقع محافظة بيروت ومستقبلها، التقت “الجمهورية” محافظ بيروت ناصيف قالوش، الذي تسلم مهامه في 25/10/2005، معتبرا ان “الخدمة العامة تتضمن المتعة والنتيجة”.
ارتأى قالوش في بداية الحديث تفسير اللغَط الحاصل بشأن صلاحيات المحافظ والمجلس البلدي، فأوضح ان “المحافظ لا يتعاون مع بلدية بيروت، بل هو جزء منها”. وفي حين تتألف كل بلدية في لبنان من شقّين: سلطة تقريرية هي المجلس البلدي والرئيس ضمنا، وسلطة تنفيذية هي رئيس البلدية، اشار الى ان الأمر يختلف في بيروت، “فالسلطة التقريرية في بلدية بيروت تتألف من أعضاء المجلس البلدي، إضافة الى الرئيس. أما السلطة التنفيذية فهي المحافظ، وتعمل السلطتان معا في ما يتعلق بالعمل البلدي”.
أما صلاحيات المحافظ ضمن محافظة بيروت، فهي نفسها تلك في مختلف المحافظات، إلّا أن “ما يختلف هو عدم ممارسته سلطة الرقابة على البلدية”، على حد تعبيره، مضيفا انه “الرئيس التسلسلي لإدارة بلدية بيروت، بما فيها من موظفي البلدية والحرس البلدي وفوج الإطفاء، الذين يشكلون جهاز السلطة التنفيذية”. الى جانب ذلك، إن القرارات التي يتخذها المجلس البلدي في بيروت يناط تنفيذها بالسلطة التنفيذية.
حلول مقترحة
وككل عواصم العالم، تعاني بيروت آفة التلوّث، إلّا أنّ نسبتها تخطت المسموح به عالميا. وعزا قالوش أسباب ارتفاع هذه النسبة إلى الاكتظاظ السكاني، إذ تضم بيروت ثلث سكان لبنان، موضحا أنه “يدخل العاصمة يوميا عبر المعابر الستة نحو 700 ألف سيارة، تقف مطوّلا في زحمة سير خانقة، وتزيد انبعاثاتها من تلوّث الهواء، الأمر الذي يتطلب معالجة جذرية”. ويتمثل الحل في رأيه “بتحويل السير الذي يعبر داخل بيروت باتجاه المدن المجاورة، إلى خارج العاصمة، عبر إنشاء الأوتوستراد الدائري كباقي دول العالم”، سائلا: “لماذا يمر في شارع الحمرا مَن ينطلق من جونيه متوجها الى صيدا؟”
وللحل المقترح ثلاث إيجابيات، بحسب قالوش، “فهو من جهة يقلص زحمة السير، ويخفض نسبة التلوث المنبعثة من السيارات داخل أحياء العاصمة وشوارعها من جهة أخرى، كما يوفر الوقت على المواطنين”.
وكشف قالوش عن سلسلة لقاءات تمّت مع شرطة سير بيروت في قوى الأمن الداخلي، “للبحث في الحلول المطروحة، للحدّ من زحمة السير في العاصمة، عبر مشروع النقل الحضري في بيروت الكبرى الذي نُفِّذ قسم منه، إذ إنّ مدخل بيروت الشمالي تم توسيعه حتى منطقة انطلياس، كذلك المدخل الجنوبي من ناحية الضاحية الجنوبية، كما الأوتوستراد الذي يصل بيروت بمنطقة الدكوانة”، معتبرا أنّ “الحل ترسمه الدولة، إلا أنه مكلف، وتنفيذه ليس سهلا، اذ يتطلب اتمام المشروع انجاز الاستملاكات والتعويض على المواطنين”.
منذ الستينيات
عزا قالوش الأزمة الحالية الى فترة الشلل التي عاشها لبنان إبّان الحرب الأهلية، إذ “بعد خروج لبنان من الحرب، بقيت الحال كما كانت في الستينيات، فالأحياء والأبنية بمعظمها هي نفسها، فيما طال بعض التغييرات الوسط التجاري، فتم انشاء بعض الجسور والأنفاق”، مؤكدا أنّ “المشاريع المرسومة في تلك الحقبة، اضافة الى الاستملاكات والتخطيطات، تُنفَّذ اليوم، بينما المنطق العلمي يقول إن المشاريع الموضوعة يجب ان تلبي حاجات المواطنين على مدى عشرين سنة مقبلة كحد ادنى لحل المشكلة”. ولفت إلى أنّ “هذه الحلول لم تواكب التطور الذي شهدته البلاد”.
ويصرّ قالوش على أن “الوسائل المعتمدة من توسيع للطرق وانشاء الجسور والانفاق والمستديرات لا تحل ازمة السير، بل تقتصر على عدم عرقلته، نظرا إلى أن أعداد السيارات التي تدخل العاصمة في ارتفاع يومي دائم”.
واستبعد فكرة اعادة تسيير القطار في بيروت أو حتى المترو، لأن “مشاريع كهذه تُنفَّذ مع انشاء البنى التحتية للمدن لا بعد اتمام بناء المدينة، وبيروت أُنشئت بالكامل وشوارعها معروفة ومساحتها تبلغ 18 كم2 فقط”، مشيرا الى ان “معظم العقارات في بيروت تحوّلت إلى ابنية، وغير المبنية منها يتم تحويله اليوم إلى مراكز تجارية. من هنا ضرورة استحداث مواقف اضافية على رغم ان البلدية فرضت ايجاد موقفين لكل وحدة سكنية”.
وفي هذا الإطار، حمّل قالوش الجميع والحكومات المتعاقبة ضمنا المسؤولية، لكن “العين بصيرة واليد قصيرة”.
تنفيذ المشاريع
بالنسبة الى انجاز المشاريع في بيروت، يناط الأمر بمجلس الإنماء والإعمار، الا ان ذلك لم يمنع البلدية من اتمام مشاريع اخرى مباشرة بواسطة المتعاقدين.وفي العام 2005، لم تتمتع بلدية بيروت بموارد ضخمة، اضافة الى ذلك، كان الملاك الاداري شبه فارغ نظرا إلى الأحداث التي مر بها لبنان، “فمارست السلطة التنفيذية للبلدية صلاحياتها، وادخلت حديثا الموظفين الى بلدية بيروت، إذ إن هؤلاء يشكلون عناصر العمل وأدواته، كما يترتب على البلدية دفع اجورهم”، وفقا لقالوش.
تنظيم الإعلانات
وبما أنها العاصمة، تستقطب بيروت نسبة مرتفعة من اللوحات الإعلانية، ولكنّ ذلك لا يمنع المراقبة، إذ إن المحافظ أمر بإزالة اللوحات المخالفة التي تشوّه طابع مدينة بيروت، مؤكدا انها “ليست المرة الأولى ولا الأخيرة التي نقوم فيها بهذه الحملة”، مشيرا الى ان “ظاهرة المخالفات في الإعلانات خارج بيروت مرتفعة، الا ان في بيروت تزيد نسبة الالتزام بالقوانين والتراخيص عن 90 في المئة في الملك العام، حيث يبلغ العدد 340 لوحة اعلانية، اما القسم الاكبر فهو في الملك الخاص، وتتقاضى البلدية عن هذه اللوحات رسما”.
المرسوم 8861 يحدد آليات وكيفية وضع اللوحات الاعلانية وتوزعها في الملك العام، واعترف قالوش بأن بعض المخالفات البسيطة تشوب قسما من اللوحات، ولكن عند اكتشاف المخالفة يتم نزع اللوحة فورا، ويرى انه: “قياسا بالمناطق الأخرى، تم ضبط قطاع اللوحات الاعلانية في بيروت”. الى جانب ذلك، اكد قالوش ان “الحصول على التراخيص ليس سهلا، فهناك لجنة مختصة بدراسة الملف، اضافة الى معايير معتمدة، الا اننا نبقى بحاجة الى وسيلة مراقبة في الشوارع لضبط مرتكبي المخالفات، ونعمل على مكافحة هؤلاء وليس معالجتهم فقط”.
وعن موارد بلدية بيروت، توقع قالوش ان اموال البلدية البالغة 500 مليون دولار والمودعة في مصرف لبنان، ستزداد بمقدار الثلث عند نهاية العام الحالي، وذلك يعود الى توظيف المراقبين والجباة وتوسيع دائرة التكليف لتطال المناطق كافة، وخصوصا المنشأة حديثا، حيث ترتفع القيمة التأجيرية ورسوم رخص البناء، لذلك ستصبح بلدية بيروت أغنى البلديات على البحر المتوسط.
كما تمكّنت البلدية بفضل هذه الاموال، من تطويع افراد في الحرس البلدي، حتى بلغ عددهم الـ700 عنصر، في حين كان عددهم 25 سابقا، واضافت 75 عنصرا الى فوج الإطفاء، وزيادة عدد الموظفين الإداريين فبلغ عددهم 1033 موظفا اداريا. اما بالنسبة الى موازنة بلدية بيروت، فكشف قالوش انها “كانت سابقا 70 مليار ليرة لبنانية، اذ بالكاد كانت تجمع الاموال بسبب النقص في الجباية وانخفاض القيمة التأجيرية في المناطق القديمة”, لافتا الى انه “بسبب النهضة التي شهدتها بيروت اصبح هناك فائض في موازنة البلدية، اذ ارتفعت الى 180 مليار ليرة لبنانية، وهذه السنة ارتفعت الموازنة اكثر”.
بيروت الخضراء
تضم بيروت 33 حديقة، تتفاوت مساحاتها بين 300 الف م2 لحرش بيروت نزولا الى بضعة آلاف، اضافة الى ذلك، فان المستديرات كلها مزروعة بالأزهار والاشجار، وحملات التشجير مستمرة للمساحات المتبقية. اما بالنسبة الى المناطق المكتظة سكانيا، فأشار قالوش إلى انه يصعب نشر الأشجار فيها لضيق المساحة، مؤكدا انه “لا مدينة في لبنان تنافس بيروت في نسبة الاخضرار، اذ تختص دائرة الحدائق التابعة لبلدية بيروت بالعناية بالحدائق وتنسيقها والاهتمام بها”، مشددا على انه “عند انشاء اي بناء يترافق ذلك مع ترك فسحة للاشجار”.
واعرب عن اسفه لعدم توافر المساحات الفارغة ليتم تشجيرها، “بيروت ضيقة، ضاقت كتير بيروت، صارت طرقات وبنايات ومشاريع”، يقولها قالوش بحسرة، موضحا انه “لا يمكن الاستملاك لإنشاء الأحراج، اذ لا تتوافر شروط المنفعة العامة فلا يمكن نزع الملك الخاص والتعويض على المواطنين لتحويل تلك العقارات الى احراج”.
مشاريع إنمائية
يلوم بعضهم قالوش لأنه لا يعطي التراخيص لفتح ورش الامدادات للمياه والكهرباء حاليا، ولكنه يبرر ذلك بضرورة اضفاء طابع الاستقرار على محافظة بيروت لاستقطاب الاستثمارات، وتسهيل حركة المرور في الأحياء والشوارع في ظل ما تشهده من ازدحام.
وعن البنى التحتية والمشاريع الانمائية في بيروت، اوضح ان الاشغال في جسر البربير شارفت الانتهاء، في حين بدأت شركة متعهدة انشاء نفق ضخم على تقاطع بشارة الخوري يتطلب انجازه 24 شهرا. كما سينشأ نفق على طريق سامي الصلح، وقد اعطيت اجازة مباشرة العمل، لكنه “تمنى على الشركة الملتزمة التريث حتى انتهاء الاشغال في منطقة البربير للتخفيف من ازدحام السير”. الى جانب ذلك سيمتد جسر من طريق مار متر في الأشرفية باتجاه شركة الكهرباء بهدف تقليص زحمة السير، بعد ان دفعت اموال الاستملاك.
كما استملكت البلدية مبنى أثريا شهد احداث الحرب الاهلية في منطقة السوديكو، وبدأت الأعمال لتحويله الى متحف بتمويل من البلدية، وسيطلق عليه اسم “ذاكرة بيروت”.
آفاق جديدة تنتظر مدينة بيروت، فقد كانت دائما قبلة السياح على البحر المتوسط، الا ان مواكبتها التطورات العالمية تتطلب النهوض المستمر بالمشاريع العمرانية واستقطاب الاستثمارات، وبالتالي تقع على عاتق المحافظ واعضاء المجلس البلدي، وهما جسم واحد لبلدية بيروت، وواجبات لا يمكن التملص منها ومهمات جمة لتحقيق هذه الرؤية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.