الباحث زهر الدين لــ greenarea: المنهجية العنقودية في معالجة النفايات موجودة في لبنان والواجب تعميمها

0

مكب النفايات في الكوستا برافا تصوي

موقع غرين إيريا البيئي ـ
سوزان أبو سعيد ضو:
لا يمكن اعتبار أزمة النفايات أزمة محلية تعني لبنان فحسب، لا بل هي أزمة عالمية تواجه كافة الدول، مع فارق بسيط وهو أن الكثير من الدول تستنبط على الدوام أفكارا وحلولا، فيما نحن ما نزال نواجه سلطة عاجزة، غير قادرة على مجاراة الدول المتطورة، فضلا عن أنها ترى في قطاع النفايات استثمارات وتريد توظيفها في مشاريعها الخاصة، ولو على حساب بيئة لبنان وصحة أبنائه.
نقول أن النفايات أزمة عالمية، لأن كافة الأرقام تشير إلى أن نسبة النفايات الإجمالية للفرد الواحد ارتفعت على مستوى العالم بنسبة تصل إلى 54 بالمئة في الدول المتقدمة، مقارنة بـ 35 بالمئة في الدول النامية، لكن في المقابل، فإن سياسات الترشيد والتوعية والضرائب ساهمت في تراجع هذه النسبة في الدول المتقدمة، أما في الدول النامية فساهم سوء إدارة هذا القطاع، كما هو الحال في لبنان، في تفاقم هذه الأزمة.
أكدت الدراسات الأحدث أن النفايات لا تشكل جزءا من انبعاثات غازات الدفيئة فحسب، بل إن عملية نقلها إلى مراكز المعالجة تساهم في زيادة نسبة الإنبعاثات أيضا، لذا وجب أن تكون المعالجة في الأماكن الأقرب لوجودها، وأن تتم عملية نقلها بشكل محلي ومحدود قدر الإمكان.
المنهجية العنقودية

zahreddine-garbage2

في هذا المجال، تأتي المنهجية العنقودية لمعالجة النفاياتcluster waste management المعروفة والمعتمدة عالميا في بعض الدول، لتقدم حلولا متكاملة للمعالجة مع الأخذ بعين الإعتبار عملية نقلها.
وكان لموقع greenarea.me لقاء مع الباحث والاستشاري في “مجموعة معرفة للتنمية المستدامة” Group Knowledge for Development المهندس عباس إبراهيم زهر الدين، فأشار إلى أن “أزمة النفايات في لبنان ليست مشكلة نفايات منزلية أو مكتبية فحسب، بل ثمة كميات هائلة من النفايات تصنف خطرة، خطرة جداً، غير مفرزة وغير قابلة للتدوير، لذا فإن ثمة حاجة إلى مطمر صحي متطور ومراقب في كل قضاء وإلا فسيبقى ما نشهده من انتشار المزابل والحرائق”.
وأضاف: “وهنا يأتي دور المنهجية العنقودية waste cluster approach وتتمحور حول المعالجة المتكاملة في موقع واحد (في كل قضاء) وتعتمد على عدة نقاط: أولا دراسة خارطة تصنيف واستعمالات الأراضي، ثانيا، اختيار الموقع الملائم الجغرافي والجيولوجي أو ما يسمى (الموقع الملك) ملك الدولة لا غير، وتنفيذ الإدارة المتكاملة لإدارة النفايات الصلبة بوجود الثلاثي المكون من اتحاد البلديات، الشركات ومراكز البحوث، كحد أدنى، وثالثا تدعيم هذه العملية بحملات على مواقع التواصل الإجتماعي والإعلام الترشيدي، فضلا عن بلورة الحوافز والغرامات من خلال شرطة بيئية مدرّبة”.
إتحاد البلديات والدور الريادي
ولفت زهر الدين إلى “دور اتحادات البلديات الريادي في تخطيط وتنفيذ وإشراف “المشاريع العامة ذات المنافع المشتركة التي تستفيد منها جميع البلديات الأعضاء أو بعضها أو التي تشمل نطاق اكثر من اتحاد واحد، سواء كانت هذه المشاريع قائمة أو مرتقبة، كالطرق والمجارير والنفايات والمسالخ والإطفاء وتنظيم المواصلات والتعاونيات والأسواق الشعبية وخلافها، وفي التخطيطات والاستملاكات ودفاتر الشروط وكل ما يلزم لتنفيذ المشاريع المختلفة”.
وعن دور اتحادات البلديات في ملف النفايات، قال: “لدى معظم الإتحادات خارطة طريق نموذجية وليست بحاجة لأحد أن يرسم لها فهي التي تقوم ببناء الجسور مع السلطة المركزية، والتواصل مع الشركات وسماع مقترحات مبنية على آخر التقنيات والتكنولوجية النظيفة والملائمة، والشركات هي أيضا من منظمات المجتمع المدني، ولا نستطيع التغاضي عن دورها فهي اليوم موجودة وبقوة ومن خلالها نستطيع انهاء الإحتكارات”.
وأضاف: “ولا يمكننا إهمال الدور الأساسي لبعض الخبراء والناشطين في مراقبة المناقصات المركزية واللامركزية (خبراء مستقلين) على مستوى عالٍ، لرصد ومراقبة المسار الكامل والمتكامل لدفاتر الشروط وللمناقصات”، ولفت إلى أنه “لا يمكننا إلا الإشادة ولفت النظر إلى دور (برنامج ادارة النفايات الصلبة) الممول من الاتحاد الاوروبي، بهبة قيمتها 35 مليون يورو وينفذ بالتعاون مع مكتب وزير التنمية للشؤون الادارية OMSAR نبيل دو فريج، وباعتقادي هناك تكامل لهذه المنشآت ضمن الخطة الوطنية لإدارة النفايات الصلبة وتناغم بين وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية ووزارة البيئة”.
أما بخصوص النفايات القديمة غير المعالجة، فقال زهر الدين “ليس إجباريا اتباع الهرم التسلسلي خصوصا في لبنان، لجهة البدء بالفرز والتدوير وصولا إلى التسبيخ وطمر العوادم إلخ، ولكن من الضروري انشاء مطمر كخطوة أولى وبشكل فوري لجمع وتلبيس وطمر النفايات القديمة والمجموعة في كثير من البلديات، فالمطمر دوره اليوم يعتبر إنقاذيا، ولكن في الآن عينه يجب اتباع المنهجية العنقودية لنضمن في نهاية المطاف معظم حلقات المعالجة والتخلص في موقع جغرافي واحد”.
الطمر والحرق والترحيل

zahreddine-garbage3

وعن اقتراحات الحكومة في مواضيع الطمر والحرق والترحيل، قال زهر الدين “لقد حوربتُ من قبل العديد من الناشطين البيئيين، لانتقادي لهم (شيطنتهم) حلول الطمر والحرق والترحيل، وجرى تأليب الرأي العام حول هذه الخيارات وبشكل منهجي، وللتوضيح، فأنا مع الطمر والحرق فقط كجزء من إدارة متكاملة ضمن المنهجيّة العنقوديّة، وبحالة النفايات السامة والخطرة من عضوية وكيميائية فحسب، وأنا مع انشاء مطمر مخصص لهذه المخلّفات، وقد تجري معالجة بعضها قبل طمرها، فضلا عن أنه ليس لدي أي اعتراض عن دراسة محرقة (ترميد) مركزية متطورة واحدة وتحت إشراف ومراقبة خبراء لهذه المخلفات”.
وأشار زهر الدين إلى “أن الخطط والحلول المستدامة التي تقدم بها المجتمع المدني هي خطوات هامة، إلا أنها تفتقد إلى الحل المتكامل كما نقرأ في عناوينها اللافتة للإنتباه، فالطمر والحرق ليست بالضرورة حلولا مخيفة كما يجري الحديث عنها، إلا أن العملية يجب أن تتم بتخصص علمي، فهناك نفايات خطرة وخطرة جداً وغير مفرزة وغير قابلة للتدوير، مثلا (الخطرة متل الفوط الصحية، الحفاضات، بقايا من المسالخ، النفايات الطبية، النفايات الصناعية، والمنزلية الخطرة، الخ)، وحتى النفايات العضوية المنزلية بعد “معالجتها محليا” لن تكون صالحة كسماد أو كومبوست أو محسن تربة، (بأوروبا ممنوع استعمالها وتبقى مصنفة نفايات وجب طمرها أو حرقها حتى بعد معالجتها)”. وأضاف: “هناك نفايات عضوية وكيميائية خطرة وسامة للغاية، وعلينا إيجاد حلول لها، ولا تتم معالجة هذه المخلفات الا بطرق متخصصة وحاسمة، ومن الضروري إنشاء المطامر الصحيّة المراقبةControlled Sanitary Landfills لهذه المواد”.
أما عن موضوع الترحيل، فقال: “شخصيا أنا ضد الترحيل إلا بحالات استثنائية جدا، وقد نضطر لمعالجة بعض المواد عبر شركات متخصصة في الخارج، وبإشراف خبراء إن تطلب الأمر ذلك، مثلما حدث مع المجلس الوطني للبحوث العلميّةCNRS Centre National de Recherches Scientifiques وأوروبا لجهة ترحيل بعض هذه النفايات المختبريّة النوويّة”.
المعالجة العنقودية موجودة في لبنان
وأكد زهر الدين أن “المراكز المعتمدة على المنهجية العنقودية موجودة وتعمل حاليا في لبنان بالتعاون مع الإتحاد الأوروبي وOMSAR، ومنها المعمل في اتحاد بلديات الشقيف على أطراف بلدة الكفور، ونجح هذا الإتحاد في ارساء المناقصة بسعر 21 دولارا للطن الواحد، ويعمل على استقبال كميات كبيرة من النفايات وفرزها بغرض اعادة استعمالها بدلا من تشويه البيئة، أما المواد العضوية فيعمل على تسبيخها، والعوادم تضغط على شكل مكعبات وتطمر في مطمر صحي، فضلا عن معمل بعلبك حيث تتم العملية بتقنية مماثلة مع وجود منشأة تتسع لـ 40 طنا من النفايات العضوية، فضلا عن إنتاج السماد لجهة إنتاج الغاز الحيوي Biogas، بهدف توليد الطاقة الكهربائية، إضافة إلى تخفيض كميات الطمر بنسبة 70 بالمئة في (مكب الكيال) العشوائي الموجود في بعلبك، مع هبة منتظرة لمطمريين صحيين”.
مما تقدم، هناك تجارب ناجحة قامت بها العديد من اتحادات البلديات، وقد يمكن دعم نجاحها وتعميمه باعتماد اللامركزية الإدارية في معالجة هذا الملف، بالإضافة إلى الإفراج عن أموال البلديات وعائداتها، ومراقبة سير عمليات المعالجات، والقيام بالترشيد والتوعية المدعومين ببرامج منظمة ومستمرة، بالتعاون مع المجتمع المدني والجمعيات البيئية وصولا إلى عملية صحية متكاملة.
وربما… كان من الأجدى على الحكومة العمل على تعميم هذه التجارب في كافة المناطق، فضلا عن صيانة وإعادة تجهيز المنشآت القائمة، بدلا من العمل على ترحيل “وتصدير” النفايات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.