البقاعيون خائفون من أزمة مياه

0

WaterBeqaa
صحيفة السفير اللبنانية:
سامر الحسيني:
بدأ “موسم” الصهاريج باكراً في البقاع هذا العام. فبعدما كانت العادة أن يبدأ عمل شركات بيع المياه للمنازل في حزيران، بكّر البقاعييون هذه السنة في شراء المياه، لأنّ شحّها طرق أبواب البقاعيين قبل شهرين من موعده، أي منذ بداية نيسان الماضي، وهذه ظاهرة غير معهودة ماضياً.
ليست أشهر الظمأ وشح الأمطار غريبة عن أهل البقاع، على الرغم من امتلاك هذه المنطقة خيرات مائية كبيرة تقدر بملايين الأمتار المكعبة، إلا أنّها تتتسرب من القساطل المهترئة، التي مدت قبل 50 عاماً، إلى الطرق العامة.
وما يفاقم الأوضاع، أنّ أصحاب الصهاريج يسعون إلى رفع سعر النقلة 5 آلاف ليرة، فيصير سعر نقلة العشرين تنكة، 25 ألفاً، في وقت يحتاج كل منزل بقاعي إلى نقلتين في الأسبوع.
ويضع المدير العام لـ”مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية” في تل عمارة ميشال إفرام النشاط المبكر لشراء صهاريج المياه في البقاع في إطار الآثار السلبية الأولى لتداعيات الانحباس المطري في لبنان، بعد التراجع الكبير في كمية الهطولات المطرية لهذه السنة، والتي لم تبلغ أكثر من 295 ملليمتراً، أي ما نسبته 39 في المئة من المعدل العام التصاعدي الذي يبلغ 690 ملليمتراً، وذلك وفق أرقام المصلحة.
ويحذر إفرام من صيف شحيح جدا في مائه نظراً إلى التراجع الكبير والقياسي في أرقام الهطولات المطرية، مقابل ارتفاع الحاجة الاستهلاكية لمياه الشفة في ظل النزوح السوري الكثيف، إضافة إلى ازدياد الحاجة إلى المياه الجوفية التي تستنزف منذ أسابيع على نطاق واسع، وتشمل كل الحقول الزراعية وحتى التي كانت تعد سابقاً حقولاً لزراعات بعلية.
ظواهر العطش المبكر تؤكده مؤسسة مياه البقاع التي تتحدث عن انخفاض في منسوب مصادر مياهها من الآبار، وعن تراجع في كميات المياه التي كانت تضخها الينابيع الجافة، وهذا ما تؤشر إليه المياه “المعوكرة”، وفق تعبير غالبية سكان البقاع، والتي تدل إلى انخفاض مستوى المياه في الآبار الارتوازية، وصولاً إلى الترسبات الوحيلة. ويلفت إفرام إلى أنه “من الطبيعي أن ينخفض مستوى هذه المياه أقله 100 متر”.

هدر
إذا كان البقاعيون قد ارتضوا بواقعهم المائي المتعثر على مر السنوات الماضية، فهم اليوم يعبّرون عن خوفهم من تفاقم أزمة المياه، ولم يعد جائزاً، بالنسبة إليهم، السكوت عن شبكات جر مهترئة تهدر يومياً آلاف الأمتار المكعبة من المياه، على الرغم من حال الطوارئ التي أعلنتها مؤسسة مياه البقاع.
وتقدر المؤسسة حجم مياه الشفة المهدورة في البقاع بأكثر من 75 في المئة من إجمالي المياه التي تضخ سنوياً في خزانات المؤسسة، والتي تبلغ 106 ملايين متر مكعب، في حين أنّ الكمية المائية المطلوبة، والمقدرة وفق عدد المشتركين، لا تتجاوز الـ27 مليون متر مكعب، ما يعني وجود هدر يتجاوز الـ79 مليون متر مكعب من المياه سنوياً.
ومن الطبيعي أن يسأل البقاعييون عن أسباب أزمتهم المائية، في ظلّ الفائض المائي الذي تضخه الينابيع والآبار الجوفية التي تشرف عليها مؤسسة مياه البقاع. فوفق مصادر المؤسسة، فإنّ كمية المياه التي تضخها مصادرها تصل إلى نحو 183 ألف متر مكعب يومياً، في حين أن عدد مشتركيها الذين يحصلون على مياه مقابل بدل مالي لا يتجاوز الـ83 ألف مشترك، ما يعني وجود أكثر من 100 ألف متر مكعب تهدر يومياً، في شبكات الجر المهترئة، أو بوصول المياه إلى وحدات سكنية من دون فوترة.
وتشدد مصادر المؤسسة على جهودها لتخفيض الهدر في المياه، مشيرة إلى أن “الهدر بدأ بالانخفاض فعلياً، بعد مد شبكات جر حديثة، على امتداد عشرات الكيلومترات، بدءاً من الهرمل وصولاً إلى مشغرة، مع الإشارة إلى أن الحكومة قد أقرت مشروع تلزيم شبكة جر جديدة لمدينة زحلة بقيمة 20 مليون دولار”. وتعمل المؤسسة حالياً على تأمين الأموال اللازمة لإجراء تغيير لشبكات الجر المهترئة.
“نخسر يومياً أكثر من 40 في المئة من المياه التي تضخ في شبكات الجر”، يقول المدير العام السابق لمؤسسة مياه البقاع هيكل الراعي، الذي يشير إلى تقرير أعدته المؤسسة العام 2002 عن حجم الهدر في شبكات الجر والذي كان يراوح بين 20 و30 في المئة، وهذا الرقم إلى ارتفاع بفعل قدم الشبكات.
ولا يرى الراعي بديلاً من تغيير هذه الشبكات لوقف الهدر، والعمل على الحد من زيادة التلوث الناتج من تسرب المياه المبتذلة إلى مياه الشفة. ويدعو إلى إزالة التعديات الكثيرة عن الشبكات، وتركيب عدادات مياه، أسوة بمناطق كثيرة.
وأخطر ما تحمله يوميات البقاعيين في هذا السياق، يتلخص في الإبقاء على سلوكيات ما قبل الانحباس المطري، إذ لم يشكل الخوف من العطش أي حافز لترشيد استعمال المياه، ولا سيما أنّ يوميات البقاع حافلة بمشاهد يومية كثيرة لأناس يشكون العطش، وآخرين تتوافر عندهم المياه بغزارة ولكنهم يهدرونها.
وتجمع معظم بلديات البقاع على أولوية إطلاق ورشة تغيير الشبكات وبناء السدود المائية ووضع خريطة طريق لمعالجة شح المياه، وفق رئيس بلدية قاع الريم المهندس وسام التنوري، الذي يحذر من سحب المزيد من مياه الينابيع في قاع الريم والبردوني، “كي لا نخسر مزيداً من هذه المصادر المائية التي شحت”، مذكرا بمشروع حصر ينابيع البردوني، الذي تسبب بغور المياه، وفقدان آلاف الأمتار المكعبة.
ويدلل التنوري على النقص في المياه بالإشارة إلى تأخر تفجر الينابيع في قاع الريم، في حين أن منسوب المياه الحالي في هذه الينابيع وفي نهر البردوني قد تراجع ثلاث مرات عن منسوب السنوات الماضية، وعن حجمه الطبيعي الذي كان يُمنع أي كان من عبوره لشدة غزارة مياهه. أما اليوم فقد تحولت هذه الينابيع إلى ساقية صغيرة بفعل تراجع الهطولات المطرية التي لم تصل، وفق مرصد قاع الريم إلى أكثر من 475 ملليمتراً، في حين أن مجموعها للفترة نفسها من السنة الماضية كان يبلغ 1562 ملليمتراً.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.