ازدحـام جنـونـي فـي كـورنيـش المـزرعـة مـع افتتـاح تقـاطـع جـديـد

0

صحيفة السفير ـ
جهينة خالدية:
تجلس السيدة الثلاثينية خلف مقود سيارتها الكورية الصغيرة الحجم، وتبدو في حالة استنفار تام. تمسك بيدها اليسرى مقود السيارة، وتحرّك باليمنى مرآة السيارة الرئيسية الماثلة أمامها، لتسعفها على إكمال رسم خط الكحل الأسود فوق جفنها. فهي تقف عند أحد تقاطعات كورنيش المزرعة، ولا تغض الطرف لثانية عن اشارة السير قبالتها، خوفاً من أن يلمع الضوء الأخضر، فتصدح أبواق السيارات بإنذارها المزعج، ما يوجب عليها التقدّم قبل التفكير حتى بالإقدام عليه. في المقابل، تمرّ الثواني طويلةً على الرجل الجالس في السيارة الضخمة ذات الدفع الرباعي، خلف السيدة تماماً. يبدو الرجل مستعجلاً، وغاضباً، كأنه على وشك أن ينقضّ على السيارة أمامه، ويتخطاها، هي وإشارة المرور.
أخيراً، يضيء «الأخضر»، فـ«تطير» السيارات وكأنها في حالة غزو للطريق أمامها، أو في حالة سباق هدفه كنزٌ مفقود، لتعطي نموذجاً بسيطاً عن حفلة الجنون التي تشهدها طرق لبنان، يومياً، وبلا أي مناسبة. هي حالة «استشراس» يومية يعيشها المواطن، لا سيما في العاصمة وشوارعها الحيوية، مثل كورنيش المزرعة، حيث تتدافع السيارات وتلتصق ببعضها، وتطلق العنان لأبواقها، من دون أي اكتراث أو احترام لأبسط قوانين السير. وتعبّر بذلك عن رغبتها بامتلاك الشارع لها وحدها، فتلتف يميناً ويساراً بـ«تذاكٍ» لبنانيّ النكهة، يكشف رفض أصحابها التام لأن تتخطاهم، أو حتى تجاورهم بسلام، أيّ سيارة أخرى.
ويساهم ذلك كله في إنتاج حال من الفوضى العارمة بالكاد يتمكن وجود عناصر الشرطة من «كبتها»، علماً أن المارة الذين يقعون غالباً ضحية الفلتان المذكور، إلا أنهم بدورهم يساهمون في صناعته، إذ لا يحترمون إشارات المرور، ولا ينتظرون الضوء الأخضر ليجتازوا الطرق، بما يضمن حمايتهم.
أكثر من ستين ألف سيارة تسلك طريق كورنيش المزرعة الذي يحمل اسماً رسمياً مختلفاً، هو «جادة صائب سلام»، يومياً. ويمتد الشارع من نفق البربير إلى حدود منطقة عين التينة، وتتوزع على جانبيه الأبنية السكنية المتوسطة الارتفاع، وعشرات المؤسسات التجارية والمطاعم والمقاهي والمعامل الغذائية، وغيرها.
في الواقع، تعتبر تلك الجادة منظّمة نسبياً، على مستوى تقاطعاتها وإشارات سيرها وتفرّع شوارعها، من دون أن يساهم ذلك في التخفيف من ازدحام السير الجنوني فيها. لذلك ربما، يخضع التنظيم المذكور، بين فترة وأخرى، لبعض التعديلات، التي تنفّذها مفرزة سير بيروت، وكان آخرها إغلاق التقاطع مع نزلة برج أبي حيدر، بالقرب من «محمصة الرفاعي»، الذي يمتد ليصل كورنيش المزرعة بالكولا. وفي مقابل التعديل، تمت إعادة افتتاح تقاطع جديد في كورنيش المزرعة، على بُعد نحو مئتي متر من الموقع المذكور، عند نهاية متفرعات أوتوستراد «سليم سلام»، تحت الجسر الذي يربط الأوتوستراد بالكولا. وتجدر الإشارة إلى أنه لم يعد بإمكان السيارات المارّة الوافدة من ناحية البربير، الالتفاف يساراً باتجاه الضفة الأخرى من الشارع، أي لجهة «صيدلية مازن». فبات أصحابها مجبرين على التوقف عند التقاطع الجديد، والصعود يميناً للالتفاف تحت جسر سليم سلام، إن أرادوا الانخراط في ركب السير المندفع نزولاً باتجاه الكولا.
ويهدف التعديل في السير، بحسب قائد سرية سير بيروت العقيد محمد الأيوبي، إلى «تنفيس ضغط السير عند نزلة برج أبي حيدر باتجاه الكولا، أو يساراً باتجاه بربير، كما يكمل حلقة الوصل بين منطقة الكولا وكورنيش المزرعة باتجاه سليم سلام فوسط بيروت». ويلفت الأيوبي إلى أنه «بعد افتتاح هذا التقاطع الجديد، بات الوافد إلى بيروت من الجنوب، عبر مستديرة الكولا، يستطيع أن يسلك خط سير مستقيما من تحت جسر الكولا، عبر هذا التقاطع، عند كورنيش المزرعة، ثم يساراً باتجاه فردان أو الخط البحري، أو صعوداً باتجاه سليم سلام فوسط بيروت أو الحمراء».
مرّ نحو أسبوع على إحداث التغيير في خطة السير على الكورنيش. ولكن، لا يبدو أن الناس تأقلموا مع إغلاق التقاطع السابق وافتتاح الجديد. وبالتالي، لا يبدو أن خطة «تنفيس» السير التي حكى عنها العقيد الأيوبي قد حققت هدفها.. حتى اللحظة. إذ يشكو الكثير من المواطنين الذين يسلكون الطريق المذكور يومياً، من ازدحام سير خانق، ضاعف مدة انتظارهم عند إشارات السير. ويشكّل السبب الرئيسي للازدحام، عدم وجود إشارات رسمية واضحة ترافق التغيير في خطة السير، فما زالت الإشارات بدائية، تختصرها حواجز اسمنتية رُسمت فوقها أسهم تشير إلى التقاطع الجديد، مرفقة بتعبير: «باتجاه الكولا». ووضع عند التقاطع الجديد إطار سيارة لينظم حركة التفاف السيارات المارّة!
يدفع الارباك التي تسببه تلك الشارات للسيارات المارة، إلى التوقف عند التقاطع القديم للاستعلام من الشرطي عن منفذ الالتفاف الجديد. وتشير لمياء التي تسكن في محيط كورنيش المزرعة، قبالة مسجد جمال عبد الناصر، وتضطر إلى سلوك الشارع يومياً باتجاه مدرسة أطفالها في فردان، ومن ثم باتجاه عملها في الحمراء، إلى أن «لم يطلعنا أي من عناصر مفرزة السير على خطة السير الجديدة، ولم يعلمنا أحد، في وقت سابق للتعديل، عن إقفال هذا التقاطع وافتتاح التقاطع الذي يليه. هكذا، فجأة، تم تغيير خطة السير، ما أدى إلى إرباك فاضح عرقل السير في هذا الشارع الحيوي».
من جهته، يشير صاحب «محمصة الرفاعي» محمد الرفاعي إلى أن «الحركة اليومية للسير توضح أن السيارات المارة لم تعتد تماماً على الخطة الجديدة، إذ أدت إلى إزدحام كبير في حركة المرور في الأيام الأولى لتطبيقها، لتعود وتخف تدريجياً في الأيام التالية»، مشيراً إلى أن «هذا التغيير يحسّن من حركة المرور، وليس من المفترض أن يؤثر سلباً على المصالح الاقتصادية في الشارع». بدوره، يلفت الأيوبي إلى أن «المفرزة بانتظار تسليم المتعهد للإشارات التوضيحية الجديدة لخط السير، ومن المفترض أن تجهز خلال اليومين المقبلين».

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.