شبيب في مؤتمر عن قدرة المدن على الصمود في مرحلة ما بعد الصراع: بيروت صامدة ومنيعة لديها قابلية للحياة

0

عقد مركز الأبحاث والدراسات والتوثيق، التابع للمعهد العالي للأعمال ESA، بالتعاون مع معهد “التغيير البيئي” في جامعة أكسفورد، والمعهد الفرنسي للشرق الأدنى، مؤتمرا عن “قدرة المدن على الصمود في مرحلة ما بعد الصراع”، في حضور محافظ بيروت القاضي زياد شبيب، مدير المعهد البروفسور ستيفان أتالي، مدير منطقة الشرق الاوسط في الوكالة الجامعية الفرنكوفونية اريفيه سابوران، مدير “ايفبو” للشرق الاوسط ميشال موتون، المدير في وحدة إدارة مخاطر الكوارث في البنك الدولي رجا ارشاد، مدير الامم المتحدة للمستوطنات في لبنان طارق عسيران، مدير العمليات المالية في مصرف لبنان يوسف خليل، إضافة إلى باحثين وخبراء أكاديميين.

شبيب

وألقى شبيب كلمة شكر فيها ل”المعهد العالي للأعمال ESA ومركز الأبحاث تنظيم هذا المؤتمر الهام، والذي يلتقي مع الجهود التي تبذل اليوم في بيروت”، وقال: “بداية، لا بد أن نتوقف عند التبدلات التي حصلت في مرحلة الحرب وما بعدها، وأدت إلى نزوح من المناطق إلى محيط العاصمة، وخاصة في الضواحي الشمالية الشرقية والجنوبية لبيروت، ومن ثم تركيز البحث على بيروت كمدينة، وصولا إلى وسط بيروت، الذي يرمز إلى كل ما حصل في لبنان منذ تأسيس هذه الدولة أي منذ حوالى 100 عام، وتحديدا منذ عام 1920 حتى اليوم، فهذا الوسط هو مختبر ونموذج عن المناعة وإعادة الإعمار والقابلية للحياة والاستمرار”.

أضاف: “تضخمت بيروت خلال الحرب وحصلت أمور مؤسفة جدا في ما بعدها لا تقل ضررا وأذى، وأعني بذلك العمران غير المنظم والعشوائي الذي حصل. لقد شهدت بيروت والضواحي، منذ عام 1990 حتى اليوم، نهضات وفورات عمرانية عدة، أدت إلى تشوه في الحيز العام وتسببت بتضاؤل المساحات العامة والخضراء وبفقدان جزء كبير من تراثنا الوطني ونسيجنا الاجتماعي”.

وتابع: “تسبب عدم التخطيط بحالات نزوح كبيرة في مرحلة ما بعد الحرب. فصحيح أن عملية إعادة إعمار مهمة أنجزت في مجال البنية التحتية، لا سيما في مجال الطرق والجسور والأنفاق وإعادة إعمار الوسط التجاري الذي يعتبر تجربة ناجحة بالمعنى العمراني، لكن لم تتم إعادة النظر بتصنيف الأحياء والعقارات وأوجه استعمالها بشكل يتناسب مع ما حصل من تغيرات وتبدلات خلال الحرب وحاجات العاصمة ومحيطها. كان لا بد من إعادة صياغة دور العاصمة كمكان يجمع كل اللبنانيين وكل من يرغب في أن يعيش فيها نتيجة للجاذبية التي تتمتع بها، كما كانت الحال في مرحلة ما بعد الاستقلال وحتى منتصف السبعينيات”.

وأشار إلى أن “مراحل ما قبل الحرب لم تكن أفضل من حيث التنظيم وتنفيذ خطط استراتيجية للمدينة”، وقال: “تبين لي من خلال مراجعتي لتاريخ بيروت الحديث أن الخطة الوحيدة الجدية الشاملة التي وضعت ونفذت فعليا في قلب العاصمة تعود إلى أكثر من مئة عام، وهي الخطة التي تم على أساسها تقسيم وسط بيروت وتنظيمه بالشكل القائم عليه اليوم، أي ساحة النجمة والشوارع المحيطة التي تشكل وسط العاصمة. وتعود هذه الخطة إلى أواخر القرن التاسع عشر وإلى عام 1894 تحديدا خلال فترة السلطنة العثمانية، وهي وضعت ولم تنفذ في حينه، بل بدأ تنفيذها في عام 1916، حين علقت المشانق في ساحة الشهداء في ظل الحكم العسكري العثماني بعد دخول السلطنة الحرب العالمية الاولى، وتم تنفيذ الخطة جزئيا بالقوة. ثم توقف تنفيذها خلال المراحل المتقدمة من الحرب العالمية الأولى، ولم تستكمل وتنجز إلا مع الحاكم العسكري الفرنسي في عام 1924، حيث تم تقسيم بيروت وتنظيمها بالشكل الذي نراه اليوم، وتمت إعادة إعمار الوسط التجاري على أساسها بعد الحرب الأهلية”.

أضاف: “تجربتنا مع التخطيط والتنفيذ لا يمكن أن نفخر بها، إذ بعد أن انتهت الحرب في العام 1990 كان لا بد من إعادة التفكير في التنظيم عموما، لكن هذا الأمر لم يحصل. لقد أنجزت مشاريع مهمة لا يمكن أن ننكر ذلك، ولكن من دون مخطط استراتيجي كبير على مستويي الوطن والعاصمة، حتى من دون إعادة النظر بحدود التقسيمات الإدارية، رغم التغيرات الجغرافية والديموغرافية والاقتصادية. ولقد تحولت المدينة من تجمع سكاني واحد يقوم على النطاق الإداري المعروف، الى ما هو أكبر من ذلك، فالبلدات المحيطة ببيروت والتي كانت عبارة عن ضواح صغيرة تضخمت وأصبحت امتدادا كبيرا جدا من العمران والتجمعات البشرية. ورغم ذلك، لم يتم النظر إليها مع بيروت على أنها وحدة متكاملة وعلى أنها تحتاج إلى خطط تنظيمية وإنمائية شاملة”.

وتابع: “إن بيروت مدينة صامدة ومنيعة، تدمرت خلال عام 1975، وقبل ذلك أيضا لأسباب طبيعية وغير طبيعية، كما هو معروف، وأعيد إعمارها 7 مرات على مر التاريخ بعد تدميرها تدميرا كليا. واليوم، باعتراف الجميع إن بيروت لديها مناعة وقابلية للحياة ولإعادة صياغة الذات والدور، وهذا أمر نفتخر به”.

وأردف: “خلال مرحلة ما بعد الحرب، أي منذ عام 1990 ولمدة 20 عاما تقريبا، تحققت أعمال إعادة الإعمار والبنية التحتية، وهي مشهود لها، ولكن لم يتم وضع أي خطة استراتيجية جدية للمدينة، والأهم ما لاحظته منذ تسلمت مهامي في عام 2014 أنه لم يتم العمل على محو آثار الجراح التي حصلت خلال الحرب”.

وتحدث عن موضوع “النزوح الداخلي والخارجي”، لافتا إلى “خط التماس الذي قسم بيروت إلى قسمين”، وقال: “كان المطلوب القيام بأمر ينسي المواطنين هذا الموضوع، لا سيما أن في أدبيات البعض ما زال يستعمل تعبيرا الشرقية والغربية”.
وأشار إلى أن “وسط بيروت أعيد إعماره بشكل ناجح وجميل، ولكن عند كل أزمة اقتصادية وأمنية يهتز ويفرغ من المواطنين”، وقال: “لم تتم إعادة صياغة نسيج اجتماعي واقتصادي متنوع وحقيقي قابل للاستمرار بغض النظر عن الظروف، في قلب بيروت التجاري والسكاني. وانطلاقا من ذلك، بدأنا العمل في اتجاهات ومحاور مختلفة منذ 4 سنوات حتى اليوم، وانطلقنا من الخط الممتد من وسط بيروت، مرورا بطريق الشام، وصولا إلى المتحف وميدان سباق الخيل وحرج بيروت، هذا الخط الذي كان يشكل مكان افتراق خلال الأزمة الوطنية، حولناه إلى مكان للالتقاء والتلاقي ليشكل محور التقاء أهل بيروت واللبنانيين”.

وتحدث عن حرج بيروت، فقال: “أعيد تشجيره بعد الحرب خلال عام 1993، وتم إقفاله خوفا على مزروعاته ولأسباب أخرى غير مقنعة. وبقي مقفلا لمدة 20 عاما وأكثر، إلى أن قررت في عام 2014 بعد فترة وجيزة من تسلمي مهامي إعادة فتحه. واليوم، بات يشكل مكانا رائعا للتلاقي ويؤدي الدور المناط به. كما بات يشكل نموذجا يجب أن يحتذى في العديد من المناطق من أجل زيادة أماكن الالتقاء وتوسيعها وتفعيلها بهدف محو آثار الحرب ومرحلة ما بعدها”.

وتطرق إلى ميدان سباق الخيل، وقال: “تأسس هذا الميدان في عام 1916، وشهد على أعمال عسكرية عدة. أما اليوم فبات مقرا لأهم الفعاليات والمهرجانات والمعارض والنشاطات، ونحن نخطط لإعادة تغيير نظرة الناس إليه وإعادة ترميم ما يمكن ترميمه من خلال وسائل يمكن أن تجمع بين المواطنين، وسيؤدي بالطبع دوره”.
وتناول أيضا موضوع طريق الشام، لافتا إلى أن “هناك مشروعا طموحا خاصا به، وهو ما يسمى بالتنقل السلس”، وقال: “لقد انتهينا من دراسته وسينفذ بشكل يصبح صديقا للبشر والإنسان، ومكانا للالتقاء والتنزه وممارسة الرياضة، وليس فقط مكانا للسيارات”.
وكذلك، تحدث عن متحف ذاكرة بيروت أو بيت بيروت، وقال: “لقد تملكته بلدية بيروت وأعادت ترميمه، بالتعاون مع بلدية باريس، بشكل أصبح فيه متحفا للذاكرة الوطنية ولذاكرة المدينة. وسنعمل على تطويره أكثر ليكون مكانا للحوار بين اللبنانيين، لا سيما أن رمزيته تاريخية وكبيرة من الناحية العمرانية، إذ شيد خلال عشرينيات القرن الماضي، وشهد على كل التطور العمراني في التاريخ الحديث لبيروت. كما شهد على الحرب التي بقيت آثارها فيه”.

وعن ساحة الشهداء، قال: “لهذه الساحة رمزية كبيرة أيضا، إذ كانت تتقاطع فيها حركتا الانتقال والتجارة بين اللبنانيين، ويجري حاليا التحضير لدراسة، بالتعاون مع مكتب هندسي عالمي مكلف بهذه المهمة، من أجل تحويلها إلى مكان يلتقي فيه اللبنانيون وتعود إلى دورها السابق، وأن تكون ساحة صديقة للبشر، لا للسيارات”.
وأكد أنه “لم يتم العمل على تأمين بدائل للسيارات خلال ال20 سنة التي تلت الحرب. كما لم يتم العمل على إنشاء بنية تحتية خاصة بقطاع النقل العام”، وقال: “هذا أمر مؤسف، ونحن نعمل عليه، فالنقل العام ليس وسيلة عملية فقط، بل هو وسيلة تلاق”.
وعرض لموضوع الأبنية التراثية، وقال: “إن هدم أي مبنى تراثي مرفوض، ونحن نتعاون في هذا الموضوع مع وزارة الثقافة”.
وتحدث عن مشروع “يجمع بين المالكين القدامى والمستأجرين القدامى، بمشاركة مصرف لبنان، تفاديا لأي خلاف أو صدام بين الطرفين ولإبقاء سكان بيروت في مدينتهم وعدم حضهم على النزوح”.

ولفت إلى أن “طموحات المجلس البلدي لمدينة بيروت كبيرة ومماثلة”.

أتالي

وكان استهل الاحتفال بالنشيد الوطني، ثم ألقى أتالي كلمة شدد فيها على “أهمية انعقاد هذا المؤتمر في ظل الظروف التي مرت وتمر على منطقة الشرق الاوسط”.

سابوران

وألقى مدير منطقة الشرق الاوسط في الوكالة الجامعية الفرنكوفونية هيرفيه سابوران كلمة تحدث فيها عن “دور الوكالة في العمل على تنظيم كل ما يهدف الى التنمية البشرية والاقتصادية وتفعيله وتطويره، وذلك عبر تطوير الصيغ العلمية والاكاديمية.

موتون

بدوره، شدد موتون على “أهمية تعزيز وبناء البنى التي تحافظ وتعيد بنيان المدن على المستويات كافة الانمائية والتربوية والخدماتية والاجتماعية”.

ثم كانت مداخلتان لمسؤول قسم مواجهة الاخطار في البنك الدولي في الشرق الاوسط ومدير البرامج الوطنية في UN HABITAT.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.