1.2 مليار دولار للبلديّات… غداً؟ مشروع لحلّ معضلة مستمرّة منذ 1988

0

صحيفة الأخبار اللبنانية ـ
حسن شقراني:

لم تحصل البلديات على قرش واحد من قرابة مليار دولار حولته وزارة الاتصالات بين عامي 1995 و2010 (مروان طحطح)

يبدو أنّ هناك أجواءً إيجابية تُحيط بأموال البلديات المستحقّة من خدمة الاتصالات الخلوية. المناطق تنتظر قراراً حكومياً غداً يُحدّد مسار توزيع 1.2 مليار دولار متراكمة

يخضع كلّ اتصال خلوي يُجريه المقيمون في لبنان لضريبة على القيمة المضافة. ينصّ القانون على أن تُحوّل المبالغ المتراكمة من جرّاء هذا التكليف إلى البلديات المختلفة. غير أن القانون نفسه أغفل آلية التوزيع نظراً إلى التعقيدات الخاصة بطبيعة خدمة الهاتف الخلوي التي تجعل التداخل بين استفادة البلديات المختلفة حتمياً.
هي تعقيدات فعلية ومن دون تضخيم. فالمعروف أنّ الخطوط المسبقة الدفع (Prepaid) تحظى بحصة الأسد في السوق – أكثر من 80% من إجمالي الخطوط الخلوية – وقد بقيت هذه الخطوط خارج إطار التسجيل والقوننة؛ بمعنى أنّ أياً كان بإمكانه شراء هذا الخطّ من دون الإفصاح عن هويته (تغيّر هذا الوضع الآن مع فرض إلزامية الأوراق الثبوتية قبل بيع أي خطّ).
كذلك فإنّ الهاتف الخلوي هو جوّال، ولذا يتغيّر استخدام المشترك الواحد للشبكة مع تنقله بين محيط وآخر، وبالتالي بين بلدية وأخرى. أكثر من ذلك، إنّ الاتصال الواحد قد ينقسم بين بلديّتين إن طال خلال تنقّل المشترك، أكان بوسيلة نقل أم مشياً على الأقدام عند حدود بلدتين!
هكذا رغم أنّ وزارة الاتصالات حوّلت مبالغ ناهزت بمجملها مليار دولار (1.4 تريليون ليرة) بين عامي 1995 و2010، لم تحصل البلديات على قرش واحد منها لغياب آليات التوزيع على المناطق، أو بالأحرى غياب الإرادة لصياغة تلك الآلية. عُدّت المبالغ إيرادات في الموازنة العامّة واستُخدمت لخدمة الدين العام، تحويل الأموال للكهرباء المترهّلة… طبعاً فضلاً عن الهدر!
تغيّر الوضع في نهاية تلك الفترة، وتحديداً عندما حجز وزير الاتصالات حينها، شربل نحاس، تلك الأموال المستحقّة، بعدما كان سلفه جبران باسيل قد أثار المسألة في مراسلته مع زميله في المال محمد شطح. وبدأت الوزارة بعملية إعادة مراكمة تلك الأموال بهدف تحريرها. وصل المبلغ حالياً إلى 1.2 مليار دولار (نحو 1.65 تريليون ليرة).
اليوم تبقى آليّة التوزيع غائبة؛ معضلة يبحثها مجلس الوزراء في جلسته المعقودة غداً.
فخلال الفترة الأخيرة جرت مشاورات عديدة بين الأطراف المعنيّة للتوصّل إلى حلّ واضح وعادل للتوزيع، وتمّ تشكيل لجنة وزارية كُلّفت دراسة اقتراحات متعلّقة بالإنماء البلدي ودراسة مشروع قانون اقترحته وزارة الاتصالات يقضي بإنشاء صندوق تنمية بلدية، يكون مؤسّسة أو حتّى مصرفاً يُعنى بالشأن التنموي، حيث إن معظم البلديات لا تملك الطاقات الفنية، المادية والبشرية اللازمة لإدارة وإنجاز مشاريع تعود بالمنفعة على البلديات أو اتحادات البلديات.
هكذا مؤسسة تُعدّ استراتيجية بمعنى أو بآخر لتنمية الأطراف إذا أُديرت بشفافية وبالفاعلية اللازمة. إذ بالإمكان الاستعانة بها لتحرير قروض طويلة الأمد لمصلحة البلديات أو تجمّع البلديات لتمويل مشاريع أساسية. يُمكن أن تراوح بين معالجة النفايات الصلبة، شبكات النقل العام، الصرف الصحي، شبكات المياه وصولاً إلى الأسواق التجارية ربما.
أصدرت اللجنة المختصة توصياتها في كانون الأوّل 2012. شدّدت على أنّ الأموال المتوافرة لدى وزارة الاتصالات حالياً «تُشكّل فرصة، قد تكون نادرة، لاستخدام هذه الأموال أو قسم منها في تنفيذ مشاريع إنمائية في البلديات» المختلفة.
في التفصيل، توصّلت اللجنة إلى أهمية لاستفادة من المبلغ لإقامة معمل للنفايات في كلّ محافظة لتخفيف الهدر وتنمية المناطق وتشغيل اليد العاملة وتوفير مردود للبلديات، على أن تُدير هذه المعاملَ المؤسسةُ التي ستنشأ أو أي إدارة يُتفق عليها.
واقترحت أيضاً توزيع كامل المبالغ المتراكمة لدى وزارة الاتصالات وفق آلية معينة، وأن توزَّع الأموال مناصفة بين البلديات والمؤسسة المنوي إنشاؤها.
وأوصت اللجنة أيضاً بتقسيم المبالغ المتراكمة بنسب يُتَّفَق عليها في مجلس الوزراء على أن يُستخدم الجزء الأكبر منها لتغطية ديون مستحقّة على البلديات للمالية ويُقسّم المبلغ الباقي بالتساوي ويُوزّع وفق الآلية المحددة بين البلديات والمؤسسة المنوي إنشاؤها.
أما الأموال التي تُحصى في السنوات اللاحقة فيُستخدَم قسم منها لتسديد الديون المستحقة إلى خزينة الدولة ويُوزّع الباقي وفق الأصول على أن يستمر العمل بهذه الآلية لحين إعادة كافة الديون المستحقة للدولة.
لكن المؤسسة التنموية المقترحة تحتاج إلى قانون، وفي ظلّ الانقسام السياسي الحادّ والبيئة البرلمانية المشوهة، من المستبعد أن يُقرّ قانون كهذا.
كذلك هناك رفض من وزارات أخرى للآليات المقترحة. فوزارة المال ترفض مقرّرات اللجنة المختصة، على اعتبار أنّ هناك ديوناً تترتّب لها على البلديات بقيمة 1.4 مليار دولار.؛ تلك الديون ناتجة من نشاطات جمع النفايات.
من جهتها، ترى وزارة الداخلية والبلديّات أنّ إناطة وزير الاتصالات توزيع 50% من الأموال المستحقّة للبلديات من الاتصالات الخلوية تُعدّ «انتقاصاً من صلاحيّاتها». ويقترح الوزير المعنيّ، مروان شربل، الإخراج الآتي: الاستفادة من قسم من المبلغ لإقامة معامل نفايات في المحافظات؛ إيفاء قسم من الديون المستحقة لخزينة الدولة (وزارة المال)؛ توزيع ما يبقى على الاتحادات والبلديات؛ ما يُحصّل في السنوات اللاحقة يُقسّم بين الديون المستحقة للخزينة والباقي وفق الأصول إلى حين إعادة كافة الديون المستحقة لوزارة المال.
إزاء هذا الاقتراح تقدّم وزير الاتصالات نقولا صحناوي بإخراج آخر رغم «التمسك باقتراح مشروع القانون الرامي إلى إنشاء مؤسسة التنمية البلدية»؛ ووفقاً للمعلومات المتوافرة فإنّ من المتوقّع أن يُحاط هذا الاقتراح بأجواء إيجابيّة في جلسة مجلس الوزراء المقرّرة اليوم.
ترى وزارة الاتصالات أنّ اقتراح وزارة الداخليّة والبلديّات يتطلب تعديلاً قانونياً؛ إذ وفقاً للقانون الصادر عام 2001، فإنّ الضريبة على القيمة المضافة تُحصّل للبلديّة التي يعلق ضمن نطاقها الاشتراكات، وبالتالي، لا يمكن تسديد هذه الضريبة في حساب الصندوق البلدي المستقلّ، دون تعديل القانون.
وفي حال تعذُّر الاتفاق على مشروع القانون الخاص بإنشاء مؤسسة التنمية البلدية، تقترح الوزارة اعتماد المعايير التالية للتوزيع على البلديات:
أوّلاً، تقتطع نسبة 3% من العائدات الإجمالية وتوزع بصورة نسبية على القرى التي ليس فيها بلديات، وفقاً لعدد السكان وعدد الوحدات السكنية وللمشاريع التنموية داخل نطاق هذه القرى.
ثانياً، يوزع الرصيد الباقي (97% من الإجمالي) بنسبة 60% على البلديات بنسبة عدد السكان المقيدين في سجلات الأحوال الشخصية. وبنسبة 40% توزع على البلديات بصورة نسبية على أساس الحاصل الفعلي لرسومها المباشرة خلال السنتين السابقتين.
تُفيد معلومات المعنيين بهذا الملفّ بأنّ رئيس الجمهورية يدعم هذا المشروع نظراً إلى اهتماماته التنموية في بعض المناطق، ولقربه من بعض البلديات في أخرى. أمّا موافقة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، فهي بخلفيات اقتصادية بحتة، بحيث إن الأموال التي ستُتاح للإنفاق تُشكّل محفّزاً اقتصادياً مهماً في هذه الأوقات من التباطؤ الاقتصادي، الذي تُحارب به إدارته.
المؤسف هو أنّ مشروع مؤسسة التنمية البلدية بقي غائباً طوال عقدين بفعل غياب رؤية تنمية الأطراف، أما اليوم فهو يغيب بفعل غياب البرلمان. ولكن الأسف ليس مفاجئاً، فالمشكلة مستمرّة منذ الثمانينيات: في عام2001 أُدخلت الضريبة على القيمة المضافة إلى النظام الضريبي اللبناني. استبدل القانون 379 الصادر في ذلك العام، العلاوة التي كانت مفروضة على المشتركين بالهاتف بهذه الضريبة على أن تُحصّلها وزارة الاتصالات للبلدية التي يقع ضمن نطاقها الاشتراك، والتي كانت محدّدة في القانون رقم 60 الصادر… عام 1988!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.