بلدية طرابلس نحو النفق المظلم… فهل يكون آخر الدواء الكيّ؟

0

صحيفة السفير ـ
غسان ريفي:
هل وصلت بلدية طرابلس الى مرحلة «آخر الدواء الكيّ»؟.. سؤال بدأ يطرح نفسه بشدة في الأوساط الطرابلسية التي تعيش على وقع الخلافات التي تستفحل يوماً بعد يوم بين الرئيس نادر غزال وبين غالبية أعضاء المجلس. وتشهد على تراجع الأداء البلدي بفعل خروج تلك الخلافات من قاعة المجلس الى الشارع، وانقطاع التواصل بين من جاؤوا بتوافق سياسي لم تشهد المدينة مثيلاً له في تاريخها، وانتخبهم الطرابلسيون على أساسه للنهوض بمدينتهم والاستفادة من الاحتضان السياسي لهم، في تحقيق ما تصبو إليه طرابلس من تنمية محلية وتنفيذ مشاريع ترفع عنها صفة الإهمال والحرمان.
ويمكن القول إن الواقع الذي يترجم غياباً تاماً للمجلس البلدي، الذي لم ينعقد منذ نحو ستة أسابيع، بسبب تطيير نصاب الجلسات. وكانت جلستا يومي الجمعة الاستثنائية، والسبت العادية آخرها. وقد بدأ ذلك يرخي بظلاله القاتمة على أبناء المدينة وعلى مرافقها، لجهة تعطيل مصالح طرابلس والخدمات البلدية فيها، كما بدأ يحرج القيادات السياسية كافة، والمدعوة إلى اتخاذ موقف حاسم وحازم، يضع حداً لحال الشلل القائمة، وإلى تخطي الخلافات السياسية والبحث الجدي في مستقبل المجلس البلدي، الذي يبدو أن التعايش بين رئيسه وبين الأعضاء المعارضين أو حتى المساكنة بالإكراه باتا ضرباً من ضروب المستحيل، بعدما وصلت الأمور إلى حدود اللاعودة، الأمر الذي يدفع كثيراً من هيئات المجتمع المدني إلى رفع الصوت للانقاذ على قاعدة «إما التعايش بالمعروف أو الفراق بالإحسان»، خصوصاً بحسب تلك الهيئات أن «من حظّ طرابلس العاثر أنه عندما حصلت على حصة وازنة في الحكومة اللبنانية قوامها رئيس وأربعة وزراء، دخلت بلديتها في شلل كامل نتيجة الخلافات، ما سيعطل إمكانية تنفيذ المشاريع الملحة التي تتطلّب تضامناً بلدياً كاملاً، وحركة استثنائية من رئيسها باتجاه رئيس الحكومة والوزراء».
وعلمت «السفير» أن تطيير نصاب الجلسة العادية يوم السبت الفائت، قد أعاد الأمور الى نقطة الصفر، وساهم في تأجيج الصراع من جديد، خصوصاً بعد الرسالة المجهولة المصدر التي وصلت قبل 48 ساعة إلى نحو 400 شخص من الفائزين في الامتحان الصحي ضمن مباراة اختيار مئة شرطي بلدي، وتقول الرسالة: «أنت فائز في الامتحان الصحي وهناك من يريد إلغاء الدورة دافع عن نفسك ودافع عن حقك»، الأمر الذي اعتبره الأعضاء المعارضون بمن فيهم المحسوبون على «تيار المستقبل» تحريضاً واضحاً عليهم، ومحاولة لإيذائهم. وقد اتهموا رئيس البلدية بالوقوف وراء تلك الرسالة، خصوصاً أن لا أحد قادر على الدخول إلى ملفات الفائزين وإخراج أرقام هواتفهم، وإرسال مثل تلك الرسالة إليهم مجتمعين، وهو الأمر الذي نفاه الدكتور نادر غزال جملة وتفصيلاً، متهماً جهات معينة تسعى لزيادة الشرخ بينه وبين أعضاء المجلس البلدي.
وماذا بعد؟ تشير مصادر بلدية إلى أنه بات من الصعب جداً انعقاد المجلس البلدي بكامل أعضائه في ظل هذا التشنج الحاصل، وأن أي جلسة قد تعقد في ظل تلك الأجواء ستكون معرضة للانفجار من الداخل مما سيضاعف من حدة الأزمة القائمة، لذلك فإن الرئيس سيطبق القوانين المرعية في الدعوة إلى اجتماع بعد 48 ساعة بثلث أعضاء المجلس، لتسيير الأمور، لكنه بسبب سفره سيحدد جلسة لاحقة لدى عودته يوم الخميس المقبل. وتؤكد المصادر على أن «الخلاف المستحكم بين الرئيس والأعضاء قد تخطى القيادات السياسية، خصوصاً أن كثيراً من المعارضين يأخذون على رئيس البلدية عدم التمييز بين حضورهم الشخصي في مناطقهم، وبين انتمائهم السياسي، وأنه يعمل دائماً على تجاهل وجهات نظرهم ويتخطاهم باتجاه القيادات السياسية، ظناً منه أنها قادرة على الضغط عليهم، برغم أنه سمع من أكثر من مرجع سياسي بأن تسمية القيادات لأعضاء المجلس البلدي لا تعني بالضرورة تحريكهم بـ «الروموت كونترول»، وأن لكل منهم توجهاته وطريقته في خدمة المدينة، إلا أن غزال يبدو أنه لم يقتنع حتى اليوم في الموضوع.. لذلك فإنه كلما اشتدت الخلافات ضمن المجلس البلدي لجأ إلى القيادات السياسية، ما يثير حفيظة الأعضاء».
ويرفض عدد من الأعضاء المحسوبين على رئيس البلدية تطيير نصاب الجلسات العادية وتعطيل مصالح الناس، لافتين إلى «أنه كان على جدول جلسة يوم السبت الفائت بنود عدة تتعلق بمشاريع صغيرة في المدينة ولم يكن من الجائز عدم إقرارها»، مطالبين القيادات السياسية بـ «التدخل السريع للضغط على كامل أعضاء المجلس وعلى رأسهم الدكتور غزال، فإما أن يستقيلوا جميعاً ونذهب الى إنتخابات بلدية، وإما أن يتعاونوا مع غزال خلال فترة السنة وسبعة أشهر، قبل إعادة طرح الثقة به بعد انتهاء المدة الأولى من الولاية المحتسبة بثلاث سنوات بحسب القانون، خصوصاً (وفق ما يقول الأعضاء) أن الاستقالة حتى اليوم غير واردة لدى الرئيس، ما يعني أن استمرار الوضع على ما هو عليه سيكون بمثابة الانتحار، وعلى القيادات السياسية ساعتها أن تتحمل مسؤولية الفشل».
في المقابل، يرد الأعضاء المعارضون «أن لا شيء على المستوى الشخصي بينهم وبين غزال، لكن هناك تجاوزات كبيرة حصلت لا يمكن السكوت عنها، فضلاً عن هدر مالي على أمور ونشاطات كان يمكن الاستغناء عنها لمصلحة تفعيل العمل البلدي في حزام البؤس المحيط بالمدينة والمتمثل بالمناطق الشعبية الفقيرة، التي تحتاج إلى كل قرش يمكن أن يصرف لتحسين أوضاعها». ويؤكد هؤلاء على أن «ما يعنينا هو استعادة بلدية طرابلس لدورها ونجاح المجلس البلدي في تقديم الخدمات وتنفيذ المشاريع، وذلك النجاح لن يصب في مصلحة أحد من الأعضاء وإنما سيصب كاملاً في مصلحة الرئيس»، مشددين على «رفضهم التعاطي الفوقي أو تجاوزهم باتجاه القيادات السياسية التي يتناغمون معها، مؤكدين أن الاستمرار بهذه العقلية سيوصل البلدية عموماً إلى طريق مسدود ستكون انعكاساته كارثية على طرابلس أولاً».

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.