الخلاف بين بلدية حالات وسانيتا على التلوث مستمر

0

صحيفة السفير ـ
ايلي القصيفي:

ينطوي سكون البحر في حالات، البلدة الساحلية جنوب قضاء جبيل، على جرح مفتوح منذ سنوات عديدة. فالخلاف «البيئي» بين بلدية حالات وشركة «سانيتا» يتوالى فصولا منذ نحو عشر سنوات، يركد حينا ويشتدّ أحيانا، وقد بلغ أشدّه في أواخر آذار 2011 بعد اعتداء حرّاس في الشركة بالضرب على رئيس البلدية شارل باسيل والعضو البلدي بيار أبي صافي، وذلك أثناء محاولتهما معاينة البحر أسفل الشركة وقد غطته والصخور المحاذية له طبقة سوداء جرّاء «تصريف «سانيتا» لمخلفّات الفيول المستخدم في توليد الطاقة الكهربائية إلى البحر».
تاريخ الخلاف
الخلاف بين البلدية وشركة «أنديفكو» التابعة لـ «سانيتا» يعود، بحسب باسيل، إلى مطلع العقد الماضي. لكنّه بقي موضوع تفاوض بين البلدية والشركة، من دون أن يتظّهر إلى العلن إلا في نطاق ضيق. عام 2007 تقدّم مصنع «تيشوميل» لتصنيع الورق وهو إحدى أقسام مجموعة «أنديفكو» من البلدية بطلب ترخيص لإنشاء «خط مجرور عام لمياه غير مبتذلة من المصنع إلى المياه الإقليمية اللبنانية». ويوضح باسيل أنّه: «بعد لحظ لجنة الصحة والبيئة في البلدية أنّ «الفحص المخبري للمياه الناتجة عن عملية تبييض لباب الورق المنوي تصريفها إلى البحر، يعود إلى عام 2004، أي قبل ثلاث سنوات من تاريخ تقديم طلب مدّ المجرور، شككنا في سلامة المياه المنوي تصريفها، خصوصا أن تبييض الورق يتمّ عبر الكلور، الأمر الذي ينتج كميات كبيرة من المركبات العضوية المكلورة، بما في ذلك الديوكسينات المكلورة «dioxine» ذات الضرر البيئي الكبير». ويضيف باسيل: «وبنتيجة الفحوص المخبرية التي أجريناها على المياه المصرّفة بالتعاون مع فريق متخصص من جامعة الروح القدس في الكسليك تبيّن لنا أن المياه تحوي كميات كبيرة من المعادن الثقيلة والسّامة (mn, cu, pb)، وبالتالي رفضنا إعطاء الشركة ترخيصا بمدّ المجرور». هنا، يقول باسيل، استمرّت الشركة بتصريف مياه «التبييض» عبر قسطل ممدود خلافا للقانون من المصنع إلى البحر، إلى أن تقدّم محام يسكن في جوار «أنديفكو» من وزارة الداخلية والبلديات بطلب إقفال مصنع «تيشوميل»، معترضا في شكواه بتاريخ 17/3/ 2010 على تشييد مصانع «أندفكو» «في منطقة مصنفّة سياحية»، وكذلك على الدخان الأسود المنبعث من دواخين المصانع المذكورة. كما شكا تدفق كميات من الفيول والمازوت على الطريق العام، بعد فيضانها من مجارير الشركة.
بعد إحالة وزارة الداخلية الشكوى إلى وزارة البيئة قامت الأخيرة بكشف أولّي على مصنع «تيشوميل» خلصت بنتيجته إلى ضرورة إعداد تدقيق بيئي ضمن المصنع في مهلة أقصاها ثلاثة أشهر. كان ذلك، في 9 آب 2010، لكنّه تبيّن من خلال كتاب أرسلته «سانيتا» إلى البلدية في 6/6/2011، ردّا على كتاب كانت أرسلته الأخيرة إلى الشركة في 30/5/2011 تسألها فيه عن التقرير الذي كان مفترضا فيها إعداده في تشرين الثاني 2011 عملا بقرار وزارة البيئة، تبيّن أنّ الشركة أبلغت بقرار الأخيرة الصادر في 9/8/2010 بتاريخ 23/3/2011، أي بعد مرور سبعة أشهر على إصداره! وهنا يشك باسيل بالتواطؤ بين الداخلية والبيئة حص آنذاك. وتجدر الإشارة إلى أنّ وزارة البيئة عادت وأرسلت كتابا إلى وزارة الداخلية في 16/4/2011 «تتمنّى» فيه عليها الطلب من الشركة الإلتزام بقرار «البيئة» الصادر في 9/8/2010 في مهلة أقصاها شهر.
اعتداءات وتقارير
الخلاف بين «سانتيا» وبلدية حالات كان شهد انعطافة «بارزة» منذ إغلاق منظمة «غرينبيس» في 24 آذار 2011 «أنبوب المخلفات الصناعية التابع لسانيتا اعتراضا على تصريفها نفاياتها الكيماوية ومخلفات الفيول إلى البحر»، وذلك إثر انتشار بقع نفطية كبيرة في المياه البحرية أسفل المصنع وعلى الصخور المجاورة». وكان أن «زاد الاعتداء بالضرب على باسيل وعضو البلدية أبي صافي، في 28 الشهر نفسه من اشتداد الخلاف بين الطرفين». هنا يروي أبي صافي، أنّه «بعد الإعتداء علينا، سارعت «سانتيا» في محاولة للتغطية على فعلتها إلى عقد مؤتمر صحافي في 31 الشهر نفسه في وزارة البيئة أعلن خلاله صاحبها رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين نعمة افرام ورحّال «مقاربة علمية لصناعة لبنانية صديقة للبيئة»، وأعلنا عن بدء شركة يونيباك التدقيق البيئي. حتى أن رحّال نفسه اعترف في المؤتمر أن «أكثر الصناعات الملوثة هي صناعة تدوير الورق». وبناء عليه رفعت «يونيباك» في 2/8/ 2011 تقرير التدقيق البيئي الذي أجرته بالتعاون مع إحدى الشركات إلى وزارة البيئة، التي كلفت فريق من مصلحة تكنولوجيا البيئة مراجعة التقرير، وإجراء كشف ميداني على المصنع. وعليه خلص الفريق المذكور بعد إجرائه كشفا ميدانيا على «تيشوميل» في 8/9/2001، إلى وجود نواقص تضمنها التقرير أهّمها : عدم تبيان الرسوم البيانية المرفقة بالتقرير لكافة مراحل وتفاصيل تصنيع الورق، عدم تحديد أنواع المواد الكيميائية المستخدمة في التصنيع، عدم فعالية أنظمة ضبط الغبار، إجراء تحاليل على عيّنة واحدة فقط للنفايات السائلة بعد معالجتها قبيل تصريفها الى البحر..إلخ. كما ذكر تقرير مصلحة تكنولوجيا البيئة أن «60 طنا (70% ماء) تصرف الى مطمر حبالين يوميا، في وقت مكب حبالين هو مكب عشوائي وليس مطمرا صحيا، وبالتالي فإن مياه الوحول بملوثاتها تتسربّ في محيط المكب، لذا على «يونيباك» ايجاد بديل عن تصريفها في حبالين». ويشير أبي صافي إلى أن «وفدا من «يونيباك» زار بلدية حالات في 13/10/2011 بهدف التوصلّ الى حلّ، لكنّ اللقاء وبعده آخر عقد في 14/11/2011، لم ينتهيا إلى حلّ، لأنّ الشركة رفضت السماح لنا بإجراء تدقيق بيئي بالتعاون مع شركة نختارها نحن». وفي 1/12/2012 تعهّدت «يونيباك» إقفال مصنع «تيشوميل» لتصنيع الورق، وبناء عليه نقلت واحدة من آلتي تدوير الورق من مصنع حالات إلى مصر، لتبقي حتى تاريخه على الآلة الثانية في المصنع نفسه.
ويؤكد باسيل، أنّ «لا حلّ قبل السماح لنا بإجراء تدقيق بيئي في المصنع، لأنّ شكوكنا كبيرة في مطابقة صناعة تدوير الورق للمعايير البيئية، هذا فضلا عن أنّ الانبعاثات الدخانية من جرّاء توليد الطاقة لا تزال مستمرة، كما أن تصريف المياه الناتجة عن تدوير الورق إلى البحر لا يزال مستمرا أيضا، إضافة إلى مياه المجارير. هذا إذا تجاهلنا السؤال عمّا إذا كان الترخيص المعطى للشركة عام 1968 لا يزال صالحا في ظلّ التغييرات الجذرية التي طرأت على نشاطها؟» .
المصنع والوزارة
من جهته، يؤكد مدير مصنع «تيشوميل» إيلي فرحات لـ«السفير» أنّ «يونيباك» ملتزمة «معايير الصناعة البيئية كلها، وهي تجري تدقيق بيئي دوري في كافة مصانعها»، مشدّدة على أن «اتهامات بلدية حالات لا أساس بيئيا لها، وهي ناتجة عن خلاف شخصي مع رئيس البلدية بسبب توقف الشركة عن التعامل مع شركة النقل التي يملكها».
أما وزير البيئة ناظم الخوري، فيؤكد بدوره أن «الوزارة تستند في أي موقف تتخذه في موضوع «سانيتا» على تقارير مصلحة تكنولوجيا البيئة في الوزارة التي ستجري كشفا جديدا على المصنع في وقت قريب». ويلفت إلى أن «إدارة المصنع تتعامل مع فرق الوزارة بإيجابية»، مشيرا إلى أن «سانيتا» وعدت بإعادة التدقيق البيئي الذي أجرته أخيرا آخذة بملاحظات الوزارة». أمّا مسؤول الحملات في «غرينبيس» ريّان مكارم فيؤكد لـ«السفير» أن المنظمة «سيكون لها تحركا قريبا في محيط «سانيتا»، في ظلّ استمرار الشركة بتصريف مياه ملوثّة الى البحر».

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.