محافظة بعلبك ـ الهرمل بعد 9 سنوات على إقرارها.. تنتظر الولادة

0

صحيفة السفير ـ     
ركان الفقيه:
ينهض علي الهق (40 عاما) في بلدته الكواخ باكرا. يمعن التفكير للحظات، يقرر إثرها تأجيل عمله في تقليم أشجار اللوز في حقله، بعدما عزم على الذهاب إلى مدينة زحلة. وبذلك، لن يتمكن من العودة إلى البلدة قبل فترة بعد الظهر، لكون رحلته ستستغرق ما لا يقل عن خمس ساعات ذهابا وإيابا، وهي المدة التي يحتاج اليها للوصول إلى دائرة الأحوال الشخصية في سرايا عاصمة البقاع، ليصدّق إخراج قيده الإفرادي، بينما لا يستغرق تصديق إخراج القيد سوى دقائق معدودة، وهي مدة انتظاره أمام «الشباك» المخصص لذلك في الطابق الأرضي للسرايا، ريثما يحين دوره لوضع ختم دائرة الأحوال الشخصية المميز بأرزته الزرقاء الكبيرة على إخراج القيد من الخلف، فوق طابع مالي بقيمة ألف ليرة لبنانية، ويقفل بعد ذلك عائدا إلى منزله في جرود الهرمل.
يتساءل الهق مرارا خلال رحلته المضنية بين منزله والسرايا الحكومية في زحلة، وكما آلاف أبناء منطقة بعلبك الهرمل عما إذا كانت عملية بسيطة كتصديق معاملة أو إخراج قيد او الحصول على سجل عدلي، تستحق الانتقال يوميا مسافة تقارب المئتي كيلومتر ذهاباً واياباً.
ولا يختلف حال أبناء مدينة الهرمل وجرودها عن أبناء بلدة عرسال التي يقول ابنها أحمد الفليطي، وهو عضو في مجلس إدارة «جمعية التنمية الريفية» فيها، بأن «قرار إنشاء المحافظة، كان موضع ترحيب من ابناء المنطقة، لأنه يساعد في توفير الكثير من الكلفة المالية والوقت لإنجاز معاملات بسيطة، لا تتطلب سوى دقائق معدودة، فيما تجعل منه المسافات الطويلة والسفر على طرقات مليئة بالحفر و«المطبات»، «مصيبة المصائب». ذلك ولم نتحدث عن الانتظار عند أبواب الإدارات المختلفة في مركز المحافظة في السرايا الحكومية لمدينة زحلة، وتحولها إلى معاناة يومية تضاعف من قساوة ظروف حياتهم». ويلفت إلى «وجود إحساس بالخيبة لدى الغالبية الساحقة من أبناء المنطقة، لاستمرار قانون إنشاء محافظة بعلبك-الهرمل مجرد حبر على ورق. ويتضمن القانون مادة تطلب إلى الحكومة تنفيذه بعد سنة من تاريخ إقراره من قبل المجلس النيابي، في محاولة لكسر إحدى حلقات التهميش والحرمان اللذين يسمان المنطقة لعقود طويلة وعديدة. وهو ما يبدو في كل مكان وزاوية فيها، وعلى المستويات من الخدمات والمشاريع الاقتصادية والحياتية والخدماتية كافة».
ويتوقف الناشط في «جمعية التراث والثقافة» في الهرمل المحامي فراس علام عند «ضرورة وحتمية انشاء محافظة بعلبك – الهرمل، التي تتمتع بالشروط الموضوعية المطلوبة لذلك. فهي، وفق علام تشغل 22 بالمئة من المساحة الإجمالية للبنان، وتضم أكبر قضاء فيه، وهو قضاء بعلبك، وتحتوي على 63 بلدية». ويرى علام أن «إنشاء المحافظة من شأنه أن يحرر عمل الإدارات الرسمية فيها من المركزية الكبيرة، خصوصاً أن لبنان ما زال يعتمد نظام «الدواوين»، ناهيك عن البعد الجغرافي للمنطقة عن عاصمة محافظة البقاع زحلة والعاصمة بيروت». ويتضمن إنشاء محافظة بعلبك – الهرمل انشاء وحدات إدارية إقليمية، يرأسها موظفون من الفئة الثانية باستطاعتهم اتخاذ بعض القرارات التي تسرّع وتيرة عمل الإدارات الرسمية، حيث إن موقع هؤلاء الموظفين يمنحهم بعض الصلاحيات التي تخولهم ذلك.
ويتوقع علام أن يتم لاحقاً تقسيم المحافظة إلى ثلاثة أقضية هي بعلبك، الهرمل وشمسطار، ويشير إلى أن عدداً من الوزارات افتتحت إدارات تابعة لها في مدينة بعلبك التي ستعتمد كمركز للمحافظة، وهي وزارات المالية والتربية والعمل والزراعة والشؤون الاجتماعية والتي يتعثر انطلاق العمل في بعضها بسبب عدم توفر الأبنية المطلوبة. في المقابل، يشير علام إلى «استمرار غياب بعض الوزارات الأخرى بالكامل، وعلى رأسها وزارة الداخلية، التي يعتبر استحداث «منطقة» تابعة لها، أمراً ضروريا جدا لتعزيز الحالة الامنية في منطقة تشهد العديد من حوادث الخطف والاعتداء على أمن وحياة ومصالح أبناء المنطقة»، معتبراً أنه «يكثف حضور قوى الأمن الداخلي فيها من خلال فرز سرية لكل قضاء». ويرى علام أن «افتتاح دائرة لوزارة العدل يوازي منطقة وزارة الداخلية من حيث الأهمية، ومما يستتبعه من إنشاء محكمة للجنايات ومدع عام وقاضي تحقيق أصيل». لكن يبقى افتتاح اي دائرة في المنطقة كمحافظة أمرا منقصوصا لا يحقق الغاية المطلوبة منه، إلا أذا اقترن بتعين محافظ في المنطقة، لأنه يشكل رأس الهرم الإداري للمحافظة، والذي لم يحصل حتى اليوم، كونه يرتبط بسياسة المحاصصة لسلة تعينات إدارية زادت تعقيدا بزيادة عدد المحافظين في لبنان من ستة إلى ثمانية مع إنشاء المحافظتين الجديدتين في بعلبك – الهرمل وعكار. ويرى علام أن إنشاء محافظة في منطقة بعلبك الهرمل يبقى خطوة ناقصة ما لم يتم اعتماد اللامركزية الإدارية، لأن القرار الإنمائي سيبقى في يد السلطة المركزية المتمثلة بالحكومة.
ويؤكد النائب السابق الدكتور إسماعيل سكرية أن «التأخير في اتخاذ الإجرءات المطلوبة لاستكمال إنشاء محافظة بعلبك الهرمل، يأتي في سياق عدم نيل المنطقة حقها بالإنماء من قبل حكومات ما بعد الطائف، التي كان يجب عليها أن تعوض الحرمان المتراكم الذي طاولها من حكومات ما قبل الطائف». ويرى سكرية أن «الطائف نفسه «جاء ليكرس قرار المحاصصة في الإنماء، والذي صب في غير مكان، وبعيدا عن منطقة بعلبك الهرمل، وكان استمرارا لسياسة «التاجر» الذي يدير «كازينو» من أجل الربح السريع، ما أدى إلى هجرة الغالبية الساحقة من أبناء المنطقة إلى أحزمة البؤس حول العاصمة بيروت».
ويبدي سكرية قناعته الكاملة بعدم إقدام الحكومة الحالية على تنفيذ الإجراءات المطلوبة لإنشاء المحافظة في المنطقة، بسبب محدودية إنتاجيتها التي باتت في الحد الادنى، مشيراً إلى اللوم الكبير الذي «يختزنه» أهالي المنطقة على أصحاب القرار في مرحلة ما بعد الطائف، لأنهم لم يطلقوا خلال المرحلة، مشروعاً إنمائياً متكاملاً وملموساً فيها، بالرغم من بعض الإنجازات من هنا وهناك كالطرق وغيرها والتي لم تحدث أي نقلة نوعية في تحسين الأوضاع الحياتية، لأبناء تلك المنطقة الفقيرة والمحرومة، إذا لم تخصص لها خطة إنمائية حقيقية ومتكاملة.
ويشدد رئيس المجلس الوطني للإعلام وابن مدينة الهرمل عبد الهادي محفوظ على ضرورة استكمال الاجراءات المطلوبة من أجل بناء الهيكلية الإدارية لمحافظة بعلبك الهرمل، التي جاء القانون بإنشائها ليقرّب الدولة من منطقة تنتمي، ومعها عكار، إلى ما يسميه محفوط «طائفة الحرمان». ويشير محفوظ إلى أن التأخير في تعيين محافظ لبعلبك الهرمل لما يزيد على تسع سنوات أصبح أمراً غير معقول، خصوصاً أنه يشكل مدخلا لتعويض بعض الغياب المزمن للدولة عن المنطقة على المستويات الانمائية والخدماتية كافة.
ويعتبر النائب الحالي والوزير السابق غازي زعيتر أن «وضع استحداث محافظة في بعلبك الهرمل موضع التنفيذ، لن يشكل «معجزة» لمعالجة الواقع الإنمائي الصعب فيه»ا. وهو إذ يقر بتعثر انطلاق العمل بالهيكلية الادارية للمحافظة، بعدما افتتحت فيها بعض الوزارات إدارات تابعة لها، فإنه يرد ذلك إلى تقصير الحكومات المتعاقبة التي لم تنفذ القانون، وعدم استئجار المراكز المطلوبة لهذه الإدارات، وايضاَ بسبب تقصير الوزارة المعنية أحيانا. ذلك بالإضافة إلى عدم وجود الأبنية التي تتمتع بالمواصفات الفنية والشروط القانونية المطلوبة، واستمرار الخلاف حول التعينات الإدارية «المعقدة» والمنتظرة التي تعطّل تعيين محافظ.
ويطالب زعيتر الحكومة الحالية بالإسراع في وضع قانون المحافظة قيد التنفيذ، لأنه يخفف بعض الاعباء عن كاهل أبناء المنطقة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.