ماذا في خلفية أزمة نفايات صيدا ومحيطها وحقيقة إمكانيات معمل المعالجة التشغيلية؟

0

صحيفة السفير ـ
محمد صالح:

بعد تفاقم ازمة النفايات في صيدا ومحطيها منذ اكثر من 30 يوما وتكدسها في الأحياء والشوراع والازقة وتحولها اما الى نفايات طائفية او مذهبية او مناطقية وتسببها بتوترات عدة بين اهالي منطقة صيدا وشرقيها… ومع غياب اي معالجة او حلول جدية سريعة، في وقت ينتظر الكل الفرج الآتي من خلال تشغيل معمل الفرز والمعالجة… اسئلة كثيرة تطرح في صيدا وفي محيطها عن صمت وزير الداخلية طوال هذه المدة ولماذا لا يبادر الى الاتصال بالبلديات لحل هذه المشكلة كل هذا الوقت او ولماذا لم تتدخل الدولة بشخص وزير الداخلية وتضع يدها على المعمل وتعمل على تشغيله وإحالة موضوع الخلاف الى التحكيم القضائي؟!
فهل يعقل ان تتخبط منطقة يزيد عدد سكانها عن 500 ألف نسمة في بهذا الشكل، بالرغم من وجود معمل شيد بالأساس لمعالجة 180 طن من نفايات اتحاد صيدا الزهراني مجانا، واليوم يعلن صراحة من قبل القيمين عليه بأنه جاهز للعمل لكن ضمن شروط الشركة وليس من ضمن شروط العقد الأساسي أي 80 طنا مجانا فقط وبسعر 135$ للطن الواحد… ولا نجد من يعترض حتى لو تم تجاوزا كل مهل التشغيل بسبع سنوات!؟
فما هي جذور هذه المشكلة – الفضيحة وخلفياتها؟ ومن يتحمل المسؤوليات؟ ما هو اصل العقد ونواقصه؟ وما هي مندرجاته والكلفة الحقيقية وقدرة البلديات؟ وكيف يمكن الخروج من الأزمة؟
هذه التساؤلات طرحتها «السفير» على رئيس بلدية صيدا السابق الدكتور عبد الرحمن البزري الذي اشتغل في معالجة هذا الملف طوال ست سنوات وذلك من موقع الخبير بكل خفايا وبواطن هذه الازمة.
يعتبر البزري ان المشكلة الحالية تكمن في أن الجميع يتصرفون دون التدقيق بالإمكانيات المُتاحة للحل، فالجبل الجاثم على شواطئ صيدا يتضخم بشكلٍ كبير ويدعو للتساؤل حول وجود رقابة حقيقية على الشركة المتعهدة، ومباشرة العمل لبناء الحاجز المائي وإيجاد مساحات إضافية حول المكب ما زالت متعثرة رغم توفر الإمكانات المالية. فكافة الحلول المقترحة سابقاً للمعالجة أو الإزالة قد فشلت أو أُفشلت أو تعثّرت قبل أن تبدأ. وعندما اعتقد البعض في العام 2002 أن مشكلة نفايات صيدا يُمكن حلُّها بواسطة بعض التقنيات الحديثة والمكلفة وذلك بدلاً عن المطامر الصحية غير المتوفرة لا في المدينة ولا في منطقتها، لم يتم في حينه لحظ التعقيدات المترتبة على استخدام مثل هذه التقنية وكيفية إنجاحها في بلدٍ يفتقر الى الإمكانات المالية والنظرة الحكومية الشاملة للمعالجة البيئية السليمة لموضوع النفايات الصلبة (غياب المخطط التوجيهي وإمكانية تطبيقه في حال وجد). لذلك فاختصار المشكلة التي نعيشها اليوم في صيدا وجوارها بغياب التنسيق بين البلديات وعدم رغبة البعض في دفع مستحقات المُعالجة هو تبسيط للأمور وتعمية عن حقيقة المشكلة التي تحتاج لمقاربة شاملة ولإمكانات الحكومة اللبنانية نفسها.
قصة العقد
وأشار البزري الى ان بلدية صيدا في العام 2002 لجأت الى حل غير تقليدي من خلال توقيع اتفاق برعاية مجلس الوزراء مع شركة تدعى IBC انترنشنال وذلك للتخلص من النفايات بطريقة التسبيخ اللاهوائي. وفي المقابل وافقت بلدية صيدا برعاية مجلس الوزراء ووزارة الأشغال العامة على السماح لهذه الشركة بردم 39000 م٢ في البحر من أجل إنشاء مركز لمعالجة هذه النفايات بأسلوبٍ حديث، لكنه معقد وذو كلفةٍ عالية، على أن تتعهد الشركة المذكورة بمعالجة 180 طنا يومياً من نفايات صيدا ومحيطها ولمدة 20 سنة من دون مقابل.
كان من المفترض أن يبدأ العمل بهذا المركز الجديد في منتصف عام 2005 ولكن صعوبات مالية وتقنية وتغيرات في إدارة الشركة ومجلس الإدارة حال دون ذلك ما أخر بدء الأعمال لما يزيد عن 5 سنوات ورفع الكلفة المقدرة لإنشاء هذا المركز الى حد أكبر من ضعف المبلغ المقدر سابقاً. (تذكر بعض المعلومات ان كلفة إنشاء المعمل كانت في العام 2003 ما بين 5 او 6 ملايين دولار ووصلت الى حوالى 35 مليون دولار وفقا لأصحاب المشروع).
لماذا لم يشغل المعمل؟
يرى البزري ان عدم تشغيل مركز معالجة النفايات في جنوب المدينة (شركة IBC) يعود إلى عدة عوامل أهمها وباختصار:
1- مسؤولية الشركة التي تأخرت ولم تلتزم بعقدها الأساسي الموقع مع بلدية صيدا عام 2002 والذي ينص على قيام الشركة بتسلم النفايات الصلبة في العام 2005، وبالتالي فإن التأخر في بدء العمل قد تجاوز ست سنوات! فمن يتحمل المسؤولية مع العلم بأن بلدية صيدا كانت لا تملك خياراً آخر سوى انتظار بدء العمل بهذا المركز؟ ومع ذلك قامت البلدية في العام 2009 بتقديم دعوى لدى قاضي الأمور المستعجلة كي يرسل خبيراً لتقدير تطور الأعمال ومدى التأخير وقيمة الأضرار الناجمة حفظاً لحقوق المدينة تجاه الشركة. وفي منتصف العام 2010 أعلن مركز المعالجة أنه جاهز تقنياً للعمل، لكنه لا يستطيع أن يُنفذ واجباته ضمن شروط العقد الأساسي الموقع في 2002 وذلك لتضاعف الكلفة وازدياد حجم الأموال المستثمرة.
2- البنود الجزائية الغير واضحة في العقد الموقع بين بلدية صيدا وشركة IBC خصوصاً لناحية التحكيم لدى محاكم تجارية أجنبية وتحديداً في باريس (فرنسا)!
3- غياب البدائل لدى بلدية صيدا في حال فشل هذا المشروع وعدم وجود خياراتٍ أخرى تلجأ إليها البلدية لإيجاد مكانٍ مناسب للتخلص من النفايات الصلبة خصوصاً أن صيدا مدينة صغيرة محدودة المساحة مقارنةً بحجم الكثافة السكانية التي تعيشُ فيها وتستفيد منها.
4- ارتفاع كلفة إنشاء مركز المعالجة المذكور وتضاعفها نتيجة إما لسوء الدراسة الأولية أو لعوامل التضخم التي نجمت عبر السنين أو لناحية الخلافات والتبدلات التي حصلت في إدارة شركة IBC. 5- تجاهل معظم المعنيين في البلديات وفي الإدارة المركزية (وزارة البيئة على وجه الخصوص) أو على مستوى الشركة، معالجة الثغرات والنواقص التقنية والتشغيلية في المشروع نفسه، وتركيزهم فقط على العنصر المادي وضرورة تعديله، بغض النظر عن المستلزمات التي يجب تطبيقُها وأخذها في الاعتبار قبل بدأ التشغيل.
6- غياب النظرة الشاملة لآلية تشغيل مركز معالجة النفايات والتغاضي عمّا ورد في الدراسات الأخيرة من قبل خبراء أوروبيين لناحية التنسيق الكامل بين الدولة اللبنانية والبلديات المعنية وإدارة المشروع ليكون هناك أي إمكانية لإنجاحه.
اين يذهب ناتج المعمل؟
بحسب الدراسات التقنية الأخيرة وتقارير الخبراء المقترحين من قبل الحكومة والشركة فإن ناتج معالجة النفايات المنزلية الصلبة في معمل شركة IBC سيؤدي الى توليد ثلاثة أنواع من المواد المصنفة:
1- مواد يُمكن إعادة تدويرها وتشكل من 5- 10 % من نسبة المواد المعالجة. وإعادة التدوير تقضي بأن يكون هناك قدرة للشركة المعنية لتصريف هذه المواد بأسلوبٍ سليم (ورق- كرتون- زجاج) أو تعديلها كي تُصرف بأسلوبٍ سليم (المعادن مثلاً).
2- أسمدة منخفضة النوعية من 30- 35 % من نسبة وزن المواد المعالجة وهي لا تصلح إلاّ للاستخدام في إعادة تأهيل الكسارات أو استصلاح بعض الأراضي الزراعية غير المثمرة. وهذا أيضاً يتطلب تنسيقاً بين إدارة المعمل وعدة جهات معنية لتأمين مكان مناسب لهذه المواد والتي تُقدّر في حال تشغيل المعمل بطاقته الاستيعابية الكاملة بما يُعادل 125 الى 150 طنا يومياً.
3- مشتقات يُمكن استخدامها كطاقة بديلة في معامل تصنيع الاسمنت أو توليد الكهرباء أو المعامل ذات الطاقة الحرارية العالية، ولا يُمكن تصريفُها كطاقة للاستخدام العادي، وهي بحاجة قبل استخدامها الى إعادة تصنيع كي تتطابق مع المواصفات الدولية المطلوبة لناحية المحتويات والطاقة الحرارية والحجم وغيرها من الشروط. ويُقدّر وزن هذه المواد في حال تشغيل معمل شركة IBC بطاقته الكاملة حوالى 150 الى 200 طن يومياً.
كذلك تلحظ تقارير الخبراء وجوب إضافة بعض الإنشاءات على الواقع الحالي للمعمل من أجل التخفيف من نسبة انبعاث الروائح خصوصاً في مرحلة التثبيت الهوائي الرطب للمواد المعالجة وضرورة وجود قدرة لدى الشركة لإجراء الاختبارات الدورية الشهرية أو الفصلية لتحديد نوعية الناتج من المعالجة وتطابقه مع المواصفات الدولية كما تُشدد بعض الدراسات على أهمية وجود عناصر بشرية متخصصة لتأمين حُسن تشغيل هذه المنشأة.
الكلفة التشغيلية اكبر من موازنات البلديات!
أما من الناحية المالية فيجب التوقف عند نقطتين أساسيتين: الكلفة السنوية المقدرة لتشغيل المعمل هي بين 10 و12 مليون دولار. وهذه الكلفة تفوق الميزانيات التشغيلية لبلدية صيدا ولكافة بلديات اتحاد بلديات صيدا الزهراني مجتمعةً. فكيف يُعقل منطقياً وقانونياً واقتصادياً تكليف بلدية كبلدية صيدا ميزانيتها السنوية 6 ملايين دولار إبرام عقد بقيمة 12 مليون دولار لمعالجة النفايات الصلبة دون الأخذ بعين الاعتبار كلفة النقل وأكلاف الكنس والجمع للنفايات إضافة الى المصاريف والموجبات البلدية الأخرى؟!
ثم إن كلفة الطن الواحد المقترح من الشركة نفسها يوازي او يزيد على 100 الى 135$ أميركي وهو سعر مرتفع ولا يمكن لأي بلدية لا في صيدا ولا في منطقتها ولا في لبنان تحمله (مع العلم بأن العقد الأساسي الموقع مع الشركة يلحظ سعر طن المعالجة بنحو 40$ تقريبا)!
لذا من الواجب تشكيل لجنة على المستوى الحكومي الرسمي لتقدير كلفة المعالجة للطن الواحد وإقرارها في أي تفاهم جديد مع الشركة المتعهدة، في حال كان هناك تفاهم جديد!
أما من الناحية القانونية فلا يجوز لأي إدارة بلدية بما فيها بلدية صيدا أن تعيد صياغة عقدٍ جديد مع شركة IBC دون العودة الى سلطات الإشراف والرقابة المالية والإدارية بما فيها مجلس الوزراء الراعي الأساسي للعقد القديم ووزارة الداخلية وديوان المحاسبة التي تم استثناؤه في العقد القديم. كما يوجد مسؤولية على كلا الطرفين أي البلدية وشركة IBC في تبرير فشل العقد الأول وأسبابه وعليهما انتظار سلطة الإشراف الإداري وتحديداً وزارة الداخلية لكي تبت بصلاحية وصحة نقض العقد الأول وموجبات ذلك وتحديد السعر المناسب لمعالجة الطن الواحد.
الحاجة الى حل بيئي وقانوني
ويرى البزري «ان صيدا التي تحملت أعباء وجود جبل النفايات وستتحمل أعباء وجود مركز النفايات يخدم مناطق وبلديات عدة في الجنوب، تحتاج لتعويض مالي وحوافز مادية من قبل الحكومة المركزية لكي تتمكن من معالجة الآثار البيئية السلبية الناجمة عن تموضع مركز المعالجة والجبل العشوائي على أرضها. كما تحتاج لحلٍ قانوني يعوض عليها الأعباء التي تحملتها نتيجة لتأخر شركة IBC عن العمل لما يقارب الست سنوات».
ويسأل البزري عن «الأسباب التي دعت وزارة البيئة الى إعطاء الموافقة لبدء الأعمال في مركز شركة IBC دون أن تلحظ كافة النواحي المكملة لإنجاح هذا المشروع ومعالجة الآثار البيئية الناجمة عن تشغيله خصوصاً لناحية تأثيرها على صيدا ومحيطها».
ويؤكد «أن مركز المعالجة في صيدا رغم أهميته التقنية وتطور أسلوب المعالجة فيه والذي يُعتبر الأحدث في العالم هو بحاجة الى تضافر جهود إدارات ومؤسسات عدة معنية بسياسة معالجة النفايات على المستوى الوطني وأهمها الحكومة اللبنانية، ووزارة الداخلية، ووزارة البيئة، ووزارة الأشغال العامة، ومجلس الإنماء والإعمار، ومختبرات البحوث الصناعية والمجالس البلدية».
وأعلن البزري ان هذه المشكلة لا يُمكن أن تُحل إلاّ بتدخل مباشر من الحكومة اللبنانية التي بحسب القوانين المرعية الإجراء هي وحدها مسؤولة عن مشكلة معالجة النفايات الصلبة. فتحميل البلديات هذه المسؤولية دون تدخل ورعاية مباشرة من الحكومة اللبنانية ظلم للأهالي بالدرجة الأولى وإهمال للبيئة وتهرب من المسؤولية، مؤكدا ان مشكلة النفايات في بيروت وقسم كبير من جبل لبنان ما كانت لتحل لولا الدور المباشر للحكومة حينها. والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا تُعامل الحكومة منطقة صيدا – الزهراني بأسلوبٍ مختلف عمّا تعاطت به مع بيروت وجبل لبنان؟ ولماذا لم تقم الحكومة الحالية (حكومة تصريف الأعمال) والحكومات السابقة المتعاقب عليها رؤساء وزراء من مدينة صيدا بتجاهل قضية النفايات الصلبة في المدينة وجوارها؟ ودعا البزري جميع البلديات في صيدا ومنطقتها الى عقد اجتماعات تنسيقية فيما بينها لتدارك تداعيات هذه المشكلة، وتوجيه كافة الجهود باتجاه الحكومة المركزية لتُعامل صيدا ومنطقتها أسوةً ببيروت وجبل لبنان. فأهالي المنطقة يعانون الأمرين من استمرار هذه المشكلة المستعصية التي شكلت وتشكل ضرراً صحياً وبيئياً على الجميع فلا يمكن لصيدا أن تكون بعيدة عن محيطها كما يجب على المحيط أن يتفاعل إيجاباً مع عاصمته، فكلنا في مركبٍ واحد ومشكلتنا واحدة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.