رشكنانيه.. أدّت واجباتها في انتظار تحرير حقوقها

0

صحيفة البناء ـ
محمد غزالة:
تشبه في صفاتها لبنان إلى حدّ بعيد، فهي من أصغر القرى فيه، وتبدو عطاءاتها وتضحياتها غير متناسبة، منطقياً، مع مساحتها المتواضعة، التي تقع في قلب منطقة «خط النار» في مواجهة عدو لا يوفر فرصة لافتراسها وأخواتها.. بل ووطنها كله.
لا يستغرب أن يكون اسمها غائب عن مسامع بعض اللبنانيين وشاشات «تلفزتهم»، وعن سجلات الإنماء خصوصاً، لكنها حتماً شريكاً فاعلاً وحاضراً في كل همّ لبناني ونداء وطني، هي كالطالب المجتهد في مدرسة علم يديرها «الجهلاء».
«رشكنانيه» الجنوبية، واحدة من صغريات القرى في قضاء صور، تبعد عن مركزه (مدينة صور) 20 كيلومتراً من الجهة الشرقية، ولا يتجاوز عدد سكانها 2000 نسمة، 20 % منهم مغتربون، معظمهم في القارتين الأفريقية والأوروبية.
وتتميز هذه البلدة الوادعة عن البلدات المجاورة، بأنها الأعلى ارتفاعاً عن سطح البحر، حيث يبلغ ارتفاعها 200 متراً، وتنتشر بيوتها على سلسلة من الهضاب التي حبتها الطبيعة بمنظرٍ خلابٍ غنيٍ بالأشجار المعمّرة، من مختلف الأصناف الشجرية المثمرة، كما يذيع سيط أبنائها بصفات كرم الضيافة الأصيلة، والشهامة.
المجد من أطرافه
ولـ«رشكنانيه» أيضاً، حكايا مع أمجاد مقاومة الاحتلال والتضحيات، فكانت في طليعة القرى التي نسجت أساطير الصمود والفداء، فقضى من أبنائها ما لا يقل عن 20 شهيداً وجريحاً في المواجهة الأخيرة عام 2006 مع العدو «الإسرائيلي»، كما ارتقى العديد من أبنائها أيضاً شهداء ومقاومين، إبّان كل مراحل هجمات العدو واستباحته المتكررة لأرض الجنوب.
إنما وللحق، أن تضحيات هذه البلدة و«حسن سلوكها» لم «يؤهلها» بعد للولوج إلى خريطة أولويات الدولة بكل حكوماتها المتعاقبة، فغاب الدعم عن البلدة ولم تحظَ بحقوقها رغم اتمامها لواجباتها، فلم تعرف مشاريع الإنماء الحيوية، بكل أشكالها، طريقاً إليها بعد، حتى أنها تحرم حتى اليوم، من التعويضات المالية عن أضرار الهجمات «الإسرائيلية» والعوامل المناخية التي حلّت على العديد من أبنائها، سواء في ممتلكاتهم السكنية أو الزراعية. الوعود موجودة وكثيرة من قبل مؤسسات الدولة، أما التنفيذ الفعلي لها فهو سجين ذاكرة الملفات الكثيرة، التي تتآكلها غبار الأدراج.
تأسيس البلدية
في العام 2004 استحدث أول مجلس بلدي برئاسة المرحوم علي هاشم الذي توفى بعد عام من توليه رئاسة المجلس البلدي، فانتخب حسين ديب للولاية المتبقية، وفي العام 2010 انتخب الرئيس الحالي رائف هاشم.
هاشم، وفي لقاء مع «البناء»، شرح الظروف الصعبة التي تواجهها بلديته، في ظل ضعف الإمكانيات المالية المخصصة لصندوق البلدية، وهو السبب الرئيس الذي يعيق مسيرة البناء والتقدم في معظم المناطق اللبنانية، الملقيين على عاتق المجلس البلدي بشكل أساسي.
مشاريع لا تؤجل
كما عرض حاجة البلدة الملحة إلى جملة مشاريع حيوية، والتي يجب أن يجري إنجازها قبل حلول فصل الشتاء، على صعيد استكمال مشاريع تعبيد الطرق الداخلية وتزفيتها، وإصلاح شبكة الصرف الصحي الذي يهدد البلدة بظروف بيئية سيئة للغاية في حال لم يجرِ إصلاحها في وقت قريب، هذا إلى جانب ضرورة تفعيل مشروع حفر بئر ارتوازية يستفيد منها أبناء البلدة، الذين يئنّون تحت وطأة شحّ المياه وارتفاع أسعارها، في ظل الوضع الاقتصادي المتردي، فتصل تكلفة خزان المياه إلى 30000 ليرة، في حين يعجز الكثير من أهاليها عن تأمين قوتهم اليومي، لا سيما في ظل موجة الارتفاع الجنوني الذي أصاب أسعار المواد الاستهلاكية على أنواعها، من دون حسيب أو رقيب من قبل الدولة.
تحرير المستحقات
وطالب هاشم المعنيين في الدولة ووزارة الداخلية والصندوق البلدي المستقل، الإسراع في إمداد البلديات بمستحقاتها المالية، لا سيما أن «رشكنانيه» صغيرة ومرافق الجباية للبلدية شبه معدومة، وليس هناك من مصادر جباية أخرى.
وأضاف: «رغم هذا الإهمال والإجحاف اللاحق ببلدتنا من قبل الوزارات والإدارات المعنية، استطعنا إنجاز جزء من المشاريع الملحّة، على صعيد تعبيد وتزفيت طرقات داخلية، وجدران دعم وأرصفة ضمن مشروع تجميلي»، موجهاً الشكر للائحة التحرير والتنمية النيابية والرئيس بري ومجلس الجنوب ورئيسه قبلان قبلان، على دعمهم المتواصل في تحقيق ما أنجزته البلدية من مشاريع، وإن كانت متواضعة.
كما عرض مشاريع مستقبلية على الصعيد البيئي والإنارة وتعبيد طرقات وبناء ملعب رياضي ومركز بلدي بدل المركز الحالي المستأجر حالياً، لكن تكملة هذه المشاريع تنتظر الإفراج عن أموال البلديات من الصندوق البلدي.
ودعا حكومة الرئيس ميقاتي التي رفعت «كلنا للعمل» شعاراً لها، الضغط على الهيئة العليا للإغاثة التي تجاهلت حقوق المتضررين في عدوان تموز، والعواصف العاتية، فهناك أضرار جسيمة يعجز أبناء القرية عن حمل تكلفتها، في حين يترك القسم الأكبر من التعويضات في ملف التجاهل في الأدراج المؤجلة، مؤكداً أنه من المعيب أن تقابل هذه البلدة، التي قدمت للوطن كل ما ملكت، بهذا القدر من الإهمال والتجاهل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.