شحيم تستغيث.. وما من مجيب!

0

صحيفة البناء ـ
ميرنا عبدالله:
هي إحدى البلدات اللبنانية، تتبع إدارياً إلى قضاء الشوف في محافظة جبل لبنان،وتعتبر كبرى بلدات إقليم الخروب فهي عاصمته، كما تحتل المركز الأول فيه، ما جعلها أهم مناطقه منذ العهود القديمة.
تطّل شحيم على تلال ورواب تشرف على الساحل اللبناني، عدد سكانها حوالي 55 ألف نسمة تقريباً، حسب تقدير مختار البلدة عدنان عبدالله شعبان، مساحتها 80 كيلومتراً مربعاً، ترتفع حوالى 650 متراً عن سطح البحر، وتبعد عن العاصمة بيروت مسافة 47 كيلومتراً، تحدها من الشمال قرى داريا، عين الحور والبرجين، ومن الجنوب بلدتا مزبود وكترمايا، وعانوت والزعرورية من الشرق، أما بلدتا دلهون وبرجا فتحدانها من الغرب.
تتميز شحيم بأنواع اشجارها المتعدّدة التي منها الصنوبر، اليرز، البلوط، الزيتون والسنديان. أما عائلاتها فكثيرة، ويعود أصلها إلى البلدة فيما تتفرّع منها فروع كثيرة أخرى، من أهم عائلات شحيم: فوّاز، يونس، عويدات، عبد الله، شعبان، الحجّار، الحاج شحادة، المعلم، مراد، والخطيب.
هي «كتاب الصلاة والخصوبة والجحيم على الاعداء إذا غزوها»، هكذا ورد أصل تسميتها في الآرامية السريانية، وفي كتب الأحداث والقتال. ويعود تاريخها «العتيق» كما يقال، الى العصر الحجري، إذ كانت مغمورة بمياه البحر.
عرفت شحيم حضارات مهمة، منها الفنيقية والرومانية، التي ما زالت أثارها موجودة حتى يومنا هذا في منطقة القصر. تنتشر فيها الأسواق التجارية، ومنها أسواق مختصة بالايام كـ«سوق الجمعة» الشهير، حيث يزورها عدد كبير من اللبنانين والأجانب. وفي شحيم يوجد العديد من المساجد القديمة والحديثة، كما تنتشر فيها أحزاب عديدة، كالحزب التقدمي الأشتراكي، و تيارالمستقبل، والجماعة الإسلامية، وغيرها.
علت في شحيم مؤخرا أصوات عدد من المواطنين الذين يتهمون البلدية ورئيسها بالتقصير، خصوصاً لناحية سوء حال الطرق، المليئة بالحفر، كما كان لافتاً توزيع مناشير وبيانات في البلدة، تندد بـ«إهمال» البلدية لها.
صرخة اليوم
مما لا شك فيه ان لهذه البلدة عين بل عيون ساهرة على رعايتها وحل مشاكلها، للمحافظة على تاريخها الحافل بالثقافة والعلم والتراث، لا سيما أنها اصبحت المركز الأول للندوات والمؤتمرات والإجتماعات والحفلات الثقافيّة والفنيّة وأحياناً السياسيّة، لكن ما يدور من احاديث بين أهالي شحيم يعكس واقعاً فادحاً لمشاكل عديدة من بينها سوء حال الطرق العامة، و«التي إن سارت عليها سيارة لوقعت في حفرة من حفرها، بالإضافة إلى عدم توّفر مواقف للسيارات الأمر الذي يتسبب في ازدحام كبير للسير، والموقف الوحيد الموجود فيها بات يعاني من « اختناق حاد» بمساحته التي بالكاد تصل إلى 10 أمتار في الطول و 3 في العرض، بالإضافة إلى عدة مشاكل أخرى يسكت عنها الشحيميون من اجل الحفاظ على صورة بلدتهم الغنيّة، لكن أن تصل إلى منزل رئيس البلدية بخطى ثابتة وطريق لا تشوبها شائبة ويعلوها الزفت 3 أمتار فتظن انك أخذت طريق الأوتوستراد باتجاه المدينة»، على حد قول المواطنين.
آراء
«البناء» قصدت هذه البلدة العريقة، مستطلعة آراء المواطنين عن إنجازات البلدية الملموسة على أرض الواقع ، فردّ احدهم بعد التفكير لمدة 10 دقائق على الاقل: «إن الإنجازات المحققة طيلة السبع سنوات الماضيّة تنحصر بإنشاء طريق خاصة أو «اوتوستراد» كما يصح القول تؤدي إلى منزل رئيس البلدية في منطقة الشميس، إذ كان يفترض على البلدية أن تتكرّم بتحسين طريق عام شحيم من المدخل الغربي وحتى نهايتها مع جميع تفرعاتها، لما في ذلك من مصلحة لجميع السكان في ظلّ توفّر الإمكانيات اللازمة وليس للرئيس فقط. أنا مواطن لبناني من شحيم العريقة أحلم بأن تصبح بلدتي من أجمل البلدات وأرقاها نظاماً، لذا أتوجّه بشكوى إلى القيّمين على القرار في شحيم، وأتمنى الاّ يكون الجواب «إحلم»».
أين المال؟
ويقول مواطن آخر إن في شحيم حالياً أربعة فروع لمصارف وعدة دوائر رسمية، في ظلّ عدم اتخاذ أي اجراء من قبل البلدية لمعالجة مشكلة إزدحام السير، مكتفية «بالفسحة» الموجودة قرب الجامع في سوق شحيم فهي لا تتّسع لأكثر من خمس سيّارات. فهل لدى هذه البلدية النيّة في تأمين مواقف للسيارات؟؟ وهل تأمين مواقف للسيارات هو من ضمن برنامجها الإنمائي؟؟ هل ما زال لدى البلدية الإستعداد لتنفيذ المشاريع الحيوية والضرورية أم أنه سيتم «التطنيش» كالعادة بحجة عدم توفّر المال؟ ويبقى السؤال: أين هو المال إذاً؟».
راتب إضافي
مواطنة اخرى تقول لـ«البناء»: «بات علينا أن نعمل إضافياً حتى نسدّد تكاليف تصليحات السيارة، فالطرق المليئة بالحفر أكثر من عدد السيارات الموجودة، والطريق الرئيسة لا بد لكل مواطن من ان يسلكها للوصول إلى وسط شحيم، «الضيعة» أو للنزول إلى المدينة، كما بات علينا ان نستيقظ قبل ساعة من الوقت لنسلك طرقاً أبعد، وندخل بلدات ومناطق قد نجتاز من خلالها هذه الطرق الرديئة».
في ضمير من؟
بعد اتفاق المواطنين على ان المشاكل هي نفسها «ملقين باللوم والإهمال على رئيس البلدية محمد بهيج منصور، محمليّن ضميره الأذى الذي يلحق ببلدتهم»، توجهّت «البناء» إليه حاملة أسئلة بسيطة عن رأيه بالمشاكل التي تحدث في بلدته، وعمن يكون المسوؤل، وعن الحلول المتوقعة؟ حاملة آراء الناس المطالبين بإيجاد الحلول في أسرع وقت ممكن!.
لقد ازدادت المشكلة سوءاً، عندما رفض رئيس بلدية شحيم محمد بهيج منصور، (الرائد المتقاعد في الدرك) التحدثّ مع أي وسيلة إعلاميّة، تاركاً ضميره الحي( كما قال) «بين أيدي النيابة العامة التي رفع إليها صوته وشكواه ضد ما يلحقه من عبارات وإتهامات نابية»، إلّا أن «البناء» تمكنّت من معرفة بعض المعلومات من مصدّر مقرب جداً من «الرئيس» لكونه يعي تفاصيل المشاكل الجارية، فتبين أن منصور ليس متهواناً بمسألة إصلاح الطرق التي يعاني منها الجميع، بل كلّف أحد المتعهدين التابع لوزارة الأشغال العامة والنقل، بأعمال صيانة وترميم البنى التحتيّة للطرق، على أن ينهيها كاملة مع الزفت المتفّق عليه، تحت قوانين وشروط وزارة الأشغال التي تنص على عدم تسليم المال الى المتعهّد إلاّ بعد تنفيذه المشروع، وهذا الأخير لم يف بوعده، فجمّد منصور المال متابعاً حل المشكلة بطريقته الخاصة، والأمر نفسه بالنسبة لمشروع موقف شحيم.
وأضاف المصدر: «أنه من المعيب توزيع منشورات تتناول رئيس البلدية بالسوء نتيجة إهماله القيام بمشاريع إنمائيّة تهم البلدة، بصرف النظر عما اذا كان ذلك صحيحا أم لا، وبغض النظر ان كانت هذه المشاريع عامة، او تحاكي مصلحته الشخصيّة، هم لا يعون أكثر منه بما يعمل، وهم أدرى أكثر بخلفيته الإجتماعيّة وثقافتة وأخلاقه، مع العلم أنه يتعرّض للمحاربة من قبل تيارات سياسيّة معارضة له، ولا يريد التحدّث عنها والدخول في متاهاتها الواسعة».
بعيداً من المصلحة الشخصيّة
وعن رأي مختار شحيم عدنان عبد الله شعبان عن منصور، قال: «بكل ضمير، رئيس البلدية إنسانا بكل معنى الكلمة، متحدّرا من عائلة كبيرة و «شبعانة» لا تنتظر منصباً حتى يعلو شأنها وكيانها»، وأضاف المختار: «لقد نجح بالتزكيّة لأكثر من مرة نتيجة أعماله وجهوده ، التي نفذها حتى اليوم منها والأهم استرجاع مساحة كبيرة من أراضي شحيم كالحرج، بالإضافة إلى استرجاع 5000 متر مربع في ربون الذي عمد بعض رجال الدين الى مصادرتها بحجة بناء مشروع مزيّف، هذا إلى جانب مشاريع الإنارة ومكبات النفايات التي أصبحت متوافرة في البلدة، مع مشاريع الإعمار والزراعة التي تقدّمت على صعيد البلدة وصولاً الى الطريق هذه أو المشروع الذي ننتظره منذ 10 سنوات وأكثر وهو مشروع مجارير شحيم، والذي لكان اكتمل لولا أن المتعهّد لم يكمل مشروعه بتزفيت الطريق لتبصح قابلة للسير عليها بشكل طبيعي».
شحيم … قصة لا تنسى
تبدأ قصة شحيم عبر التاريخ في «حي الحوطة» شرقي البلدة، حيث اكشتفت آثار اعتبرت الأقدم تاريخياً، وهي تعود الى جماعة استوطنت المنطقة قديماً، وتشمل هذه الآثار مقابر مطمورة تحت طبقات من التراب، داخلها هياكل عظمية موضوعة في جرار تضمها مدافن كبيرة، إلى نحو 30 قطعة فخارية مختلفة الالوان والأنواع والاحجام، مع نصلين من البرونز لخنجرين مثبتين بقبضة خشبية.
لكن ابرز الشواهد على وجود المواقع السكنية القديمة التي اندثرت معالمها في المنطقة، نراها في وادي «برق» قرب «عين الخميس» التي تعرضت للنهب والتشويه منذ زمن بعيد، وفي الجهة الجنوبية من «حفة الحجل» حيث اكشتفت مدافن تحوي قطعاً فخارية وأدوات منزلية من مادة البرونز، وذلك أثناء اعمال الحفر لبناء أحد المنازل. وعلى الضفة الشمالية لنهر «روبين» المسماة رأس العين، عثر على عدة نواويس محفورة في كتلة صخرية، كما حفرت على سطح الصخرة الملساء مجار طويلة لتحويل مياه الأمطار عن فتحات النواويس، ونحتت كتل مستديرة وفجوات في الصخر لتثبيت الاغطية الحجرية فوق النواويس التي للأسف حطمت ولم يبق منها أي أثر.
القصر الأثري
على تلة في الطرف الشمالي للبلدة، في منطقة تبلغ مساحتها 40 دونماً، يقع «قصر شحيم»، وهو تجمع اثري يحوي معبداً رومانياً، ومعاصر زيتون قديمة، مع كنيسة بيزنطية وبعض المنازل والخرائب المدفونة في التراب.
ظهرت شحيم إلى واجهة علم الآثار في القرن التاسع عشر، حين ذكرها رينان في كتابه «بعثة إلى فينيقيا»، فروى انه تلقى (في 27 كانون الأول 1862) رسالة من مساعده «ديرغيللو» الذي كان على ما يبدو يجول في منطقة إقليم الخروب، أطلعه فيها على معلومات هامة عن قرى شحيم وبرجا وسواها. وقد ارسل له رسماً تقريبياً عن بوابة من حجارة مقصوبة كبيرة الحجم ومعها صورتان احداهما لرأس يشع منه نور الشمس. ويتابع رينان انه في الثاني عشر من شباط التالي، اخبره ديرغيللو عن آثار من الحجارة المقصوبة في شحيم وقرية فوق برجا والنبي يونس تقوم فيها البوابة التي ذكرها له. وفي الخمسينيات من القرن الماضي، استملكت مديرية الآثار اللبنانية موقع القصر والمنطقة المحيطة به، حيث أقامت على حدوده سوراً من الحجارة الأثرية. وقد باشرت حفرياتها في الستينيات، الا انها ما لبثت أن توقفت مع اندلاع الحرب الاهلية عام 1975. وظهرت في هذه الفترة القصيرة نسبياً، الأقسام الرئيسية للموقع، ومنها الأعمدة الرخامية والتيجان والكورنثية وحدود المعبد الروماني، وبعض الأبنية السكنية المهدمة. كما تم العثور على تمثال لامرأة، وعلى العديد من القطع الفخارية، إضافة إلى ميزان قيّم من البرونز في حالة جيدة، وقد تم نقله إلى المتحف الوطني في بيروت.
المعبد والكنيسة
على أنقاض معبد فينيقي قديم، بنى الرومان معبداً صغيراً لإله الشمس «هيليوس»، الذي ظهر في النقش المحفور على واجهة المعبد. وقد شيّد هذا المعبد في الحقبة التي بنيت فيها قلعة بعلبك (القرن الثاني الميلادي)، وتحيط به أسوار عالية، كما أنشئت في داخله وحدات سكنية، وأخرى للجنود والفلاحين، كما تم جرّ المياه اليه بواسطة قساطل من الفخار وجدت بقاياها أثناء عمليات التنقيب، والتي تكشف سنة بعد سنة عن الغرف التي تحيط بالمعبد.
وأمام المعبد لجهة الشرق، ثمّة ساحة خارجية بأروقتها الرئيسية الأربعة، وصفوف من الأعمدة الملقاة على الأرض. وقد أظهرت الحفريات لوحات من الفسيفساء المطمورة تحت طبقة من التراب، جرى نقل بعض منها إلى المتحف الوطني.
أما الكنيسة البيزنطية فشيّدت في الزاوية الشمالية الشرقية من البهو الخارجي للمعبد، ويبدو أن بعض الأبنية التابعة للمعبد أزيلت لتوفير المكان اللازم لبناء الكنيسة، وقد اتبع في تصميمها، الشكل البازيليكي المعروف في القرن الرابع الميلادي خارج بيزنطية. وفي الباحة الخارجية للكنيسة توجد بئر ماء عثر في داخلها على هياكل عظمية وأسلحة وأدوات مختلفة، كما تظهر آثار حريق ٍ في زوايا الكنيسة، وعلى لوحات الفسيفساء الأرضية، التي في داخلها وخارجها، ما يدل على حصول أعمال حربية أدت إلى تدمير المكان.
المعاصر والأبنية السكنية
وهي تشمل مساحات واسعة تحيط بالمعبد والكنيسة من الشمال والغرب والجنوب، ومتصلة بالجدار الشمالي للمعبد، وتتخلل كل ذلك ممرات ضيّقة تؤدي إلى بقايا غرف مهدمة من مختلف القياسات، وكلها مبنية من الحجارة المقصوبة والكبيرة. كما أن جميع الإنشاءات التي تتكون منها القرية، تدل على أنها كانت مأهولة طوال عصور عدة، كما فإن بعض قطع الفخار التي وجدت بين معالمها، ترجح نسبيتها إلى العصر الفارسي (الخامس والرابع قبل الميلاد) والهلنستي. إضافة إلى عشرات معاصر الزيت التي وجدت في المنطقة مع عدد من الآبار والجدران التي تدل على وجود قرية كاملة.
كما تمّ الكشف خلال العام الماضي، ومن الناحية الشمالية للكنيسة على معصرة زيت من الحجر بكامل معداتها من حجر الطاحون ومكبسين وبرك لتنقية الزيت وغيرها، وقد استعملت في القرنين الخامس والسادس وما زالت محفوظة حفظاً جيداً بفعل طبقة التراب التي غطتها بسماكة مترين. ما يؤكد بأن المنطقة كانت زراعية ـ صناعية غنية. كما يبدو أن أهلها كانوا يعيشون من تصنيع الزيت وتصديره إلى الخارج عبر مرفأ الجية المجاور.
الحارة الشمالية
مع الدخول إلى الحارة الشمالية لبلدة شحيم، يعود الزمن بك إلى التراث اللبناني القديم، فبيوتها المتلاصقة تعيدك إلى وقت كان فيه الأقدمون متكاتفين تقربهم وتجمعهم محبة وانصهار تتمثل باتحاد بنائي هو احد وسائل مواجهة الاغراب المعتدين. وتشكل الحارة الشمالية، العابقة بعطر الماضي المميزة ببوابتيها التراثيتين،وبمسجدها القديم، احياء شحيم القديمة التي تفخر بشوارعها الضيقة وبعض ابنيتها القديمة. كما تتميز الحارة الشمالية أيضاً بطريقة تصريف مياه الأمطار، البدائية انما الفعالة.
وتشكل هذه الحارة احد اهم المعالم المتبقية من تراث بلدة شحيم القديم، الذي ينبغي المحافظة عليه وتأهيله وانمائه، ليصبح بدوره مركز جذب سياحي اسوة بباقي المناطق السياحية في البلدة.
في البلدة أيضاً، وفي منطقة سياحية بعيدة، حافظ الاهالي على الطواحين القديمة، العاملة على المياه، والتي كانت في الماضي الطريقة الوحيدة لطحن القمح وصنع الطحين والخبز، وقد بنيت حولها المطاعم في احضان الطبيعة الخلابة.
تزخر شحيم بالمقامات الدينية التي تنتشر في ضواحي البلدة ومنها مقام “ابو الوفاء”. ومقام النبي “اروبين”، ومقام “محمد أبو الزرد” ومقام الشيخ عبد الله إضافة إلى ثمانية مساجد قديمة وجديدة.
شحيم التاريخ الحديث
عاصرت شحيم احداث لبنان في التاريخ الحديث منذ عهد الامارتين المعنية والشهابية، كما تعرضت للهجوم اكثر من مرة خلال النزاعات والحروب بين الولاة العثمانيين والاقطاعيين، ثم شاركت في التطورات السياسية والصراعات الحزبية في عهد المتصرفية والاستعمار الفرنسي، وصولاً إلى عهد الاستقلال.
ويبدو أن شحيم كانت قرية صغيرة تهدمت من جراء زلزال 1759 العنيف، ثم اعيد بناؤها على انقاض تلك القرية حين انتقل السكان إليها من منطقة الفخارة فأقاموا فيها لموقعها الحصين، ولقربها من الينابيع، وكانت تقوم مكان الحارة الشمالية حالياً، التي كانت بيوتها المتلاصقة تشكل اسواراً خارجية للقرية، ولها مدخلان: بوابة شمالية، ومدخل جنوبي يعلوه عقد، فيما تخترقها طرق ضيقة تلتقي عند ساحة القرية. وكانت تقوم فيها سراي الحكومة في عهد الامارة، الا انها هدمت واقيمت مكانها معصرة للزيت.
وفي الساحة أيضاً بني جامع شحيم القديم المعروف بـ «جامع الساحة» الذي هدمه زلزال 1956 مع الابنية القديمة المجاورة له. وقد اكتشفت تحت أساساته خواب فخارية مليئة بالزيت مع اغطيتها، إضافة إلى أثاث منازل قروية مع هياكل عظيمة للذين قضوا في الزلزال الأول (1759).
الصناعة
اشتهرت شحيم في ما مضى بصناعة النسيج والحرير الوطني، الذي كان يصنع من خيوط الحرير وقد تفردت البلدة بصنع نسيج المضارب والبسط من شعر المواشي. في الماضي كان يوجد في البلدة نحو ألف دولاب لغزل صوف الغنم وشعر الماعز المحلول، الذي يؤتى به من أوروبا وأفريقيا الشمالية وسورية والهند وباكستان والعراق وتركيا، فيغزل ويحاك في شحيم على أكثر من ثلاثمئة نول.
الزراعة
تعتبر تربة البلدة والمناطق المجاورة فقيرة نسبياً، ولا يمكن زراعتها إلا بأشجار تناسب هذا النوع من التربة. فهنالك بعض كروم العنب، وبساتين الزيتون، فيما تستورد شحيم حاجتها من الخضار والفاكهة من المناطق الأخرى. احتفظت الأماكن والعيون في شحيم بأسمائها العربية والأعجمية القديمة ومنها عيون لا تزال تغذي شرايين الحياة في البلدة. ففي الجهة الجنوبية تقع عين الخميس في منطقة «وادي برق»، كما تتفجر في وسطه ينابيع عدة منها عين الجسر وعين الخربة. وفي أعلى الوادي «المزراب» و«القناة» و«عين الخربة الفوقا» و«عين يوسف». أما في الجهة الشمالية والشرقية من شحيم فهنالك «عين الجديدة»، و«عين حسنية» و«الناعورة» و«عين السياب» التي جرت مياهها إلى شحيم في أوائل القرن الماضي. وفي أقصى الشمال هنالك ساقية المرجيّات، وفي الشرق توجد «عين الباروك» و«عين شوعة» و«عين الفخّارة».
تربوياً
تعتبر شحيم من أكبر قرى وبلدات الإقليم، وهذا ما جعلها تتصدر القمة التربوية فيه، حيث تبلغ نسبة المتعلمين من أبناء البلدة نحو 90 %. كما يوجد في شحيم ثماني مدارس رسمية مختلطة، وثانوية رسمية واحدة، وفيها أيضاً ست مدارس خاصة ما بين ثانوية وتكميلية. وتعتبر البلدة، بسبب ازدهار قطاع التعليم وتعلّق أبناء البلدة بالتحصيل العلمي، وبسبب غياب الإمكانيات الزراعية والصناعية، أكبر خزان لموظفي الدولة في جميع إداراتها ومؤسساتها. كما يوجد في البلدة العديد من الدوائر الرسمية وعدد من الجمعيات الأهلية والأندية البالغة 14 نادياً. وتعمل هذه الأندية في المجالات الرياضية بشكل أساسي اضافة إلى بعض المجالات الثقافية والإجتماعية. ترفع بلدية شحيم شعاراً يمثل القلعة الرومانية إضافة إلى يدين متكاتفتين تعبيراً عن تضامن أهل البلدة، ومشعل النور والعلم، ودولاب التراث الذي يخبّر عن تاريخ البلد في صناعة الغزل، كلها قرب كتاب المعرفة المفتوح دائماً وأبداً. ولعـل في رفـع هذا الشعار المعبّر إعلاناً عن نية ثابتـة لدى البـلدية، كما لـدى أهالي البـلدة وسكـانها، لاستعادة الماضي المجـيد وإعادة إطلاق عجلة التصنيع والتصدير كما كانت دائماً عبر التاريخ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.