في انتظار المستحقات البلدية: استدانة وضرائب ومخالفة للقانون
صحيفة الأخبار ـ
رامح حمية:
تئنّ بلديات البقاع، الصغيرة منها والكبيرة، من غياب مستحقاتها المالية عن عامي 2011 و2012، ومن رمي أعباء إدارات حكومية عليها. اختلفت سبل المعالجة لدى رؤسائها، بين من استدان على كفالة ذمته الشخصية، ومن «خالف القانون» بحجز أموال، لكن النتيجة بقيت الحاجة إلى المستحقات
هل ستشهد الأيام المقبلة نزول رؤساء بلديات البقاع إلى الشارع؟ أم أنهم سينضمون إلى اعتصامات هيئة التنسيق النقابية وموظفي الدولة أمام سرايا بعلبك وسرايا الهرمل الحكوميتين؟ أو يكتفون بالتوجه إلى مبنى وزارة الداخلية والاعتصام أمامها، ورفع اللافتات المطالبة بمستحقاتهم، وحتى تسليم مفاتيح تلك البلديات إلى وزير الداخلية والبلديات العميد مروان شربل؟
هذه ليست مجرد أسئلة تطرح للتعبير عن حجم حاجة البلديات إلى مستحقاتها، بل تكاد تكون اقتراحات عملية للتحرّك يتداولها رؤساء البلديات الصغيرة منها والكبيرة في البقاع، إذ يجمع غالبيتهم على أن الأمور «لم تعد تطاق»، في ظلّ عدم دفع المستحقات المالية للبلديات عن الفصول الثمانية لعامي 2011 ـ 2012، وحتى تلك المتعلقة بعائدات الخلوي من وزارة الاتصالات. ضاقوا ذرعاً من التأخير، في مقابل إقدام غالبية الوزارات والإدارات والمؤسسات الحكومية على رمي أعبائها، وجزء من مشاكلها على عاتقهم. وتتفاقم المشكلة إذ علمنا أن تأخير دفع المستحقات المالية والمتطلبات الوظيفية والخدماتية في البلدات والقرى، دفع رؤساء البلديات إلى خيارات صعبة، منها ما هو مخالف للقانون، ومنها ما يتطلب «استدانة البلديات» على مسؤولية رئيس البلدية وذمته المالية الشخصية، فيما لجأ البعض إلى فرض دفع «المسقفيات» (رسم القيمة التأجيرية) على الأهالي لأن التساهل لم يعد ممكناً في ظلّ الحاجة.
الاستدانة والرسوم
بلدية حوش الرافقة، إحدى البلديات البقاعية الصغيرة، لا تكفي مخصصاتها المالية «رواتب للموظفين وأعمال النظافة ونقل النفايات من البلدة»، كما يقول رياض يزبك رئيس مجلسها البلدي. يوضح يزبك لـ«الأخبار» أن مخصصات البلدية «لا تتعدى 200 مليون ليرة، وهو مبلغ مساوٍ نسبياً لمتطلبات البلدية الأساسية، من دون احتساب المشاريع الإنمائية والخدماتية»، يضاف إلى ذلك «المبالغ التي ندفعها دورياً عن مؤسسة مياه البقاع وكهرباء لبنان، بدل كلفة التصليحات التي تتطلبها شبكتيهما كل فترة».
وأمام تأخر دفع المستحقات البلدية، والسعي للوصول إلى إنتاجية في بلدية حوش الرافقة، «لم يكن هناك من سبيل سوى الاستدانة وفرض دفع القيمة التأجيرية، التي وصلت نسبتها إلى حدّ الـ65%» مشيراً إلى أن «البلدية أنجزت مشروع الصرف الصحي للبلدة بعدما «دقينا عا صدرنا» بأننا نكفل الدفع شخصياً من ذمتنا المالية للمتعهد، كما ديون أخرى متراكمة على صندوق البلدية» يقول يزبك.
وإذا كانت حوش الرافقة تقع عقارياً على طريق عام يربط بيت شاما بطريق رياق ـ بعلبك الدولية، وقد استفاد أهلها من ذلك بإقامة محالّ تجارية مختلفة على أطرافها، ما يمكّنهم من دفع رسوم القيمة التأجيرية، فالوضع ليس كذلك في العديد من البلديات الأخرى التي لا تملك هذا الترف. بلدية بتدعي، الواقعة غربي بعلبك، أحد الأمثلة على ذلك، إضافة إلى أن غالبية أبنائها ينزحون إلى الساحل، «وما من محالّ تجارية قد تحرك الجمود المالي عبر دفع الرسوم التأجيرية، التي هي في الأساس ضئيلة جداً ولا يمكن أن نعوّل عليها»، كما يؤكد سمير الفخري رئيس مجلسها البلدي، وفيما يشير إلى أن «المستحقات المالية للبلديات مغيبة تماماً، يترتب علينا دفع أكثر من فصل في العام الواحد». في رأيه «يمكن لجزء صغير من مبالغ عائدات الخلوي أن يساعد على رفع الأعباء عن البلديات وسداد الديون المتراكمة في ذمتي الشخصية عن البلدية، وآخرها مبلغ 35 ألف دولار الذي أنجزنا فيه صالة عامة لأهالي البلدة لأفراحها وأتراحها».
مخالفة القانون
البلديات الكبيرة لم تجد ضالتها في الاستدانة فقط، بل لجأت أيضاً إلى «مخالفة القانون من خلال حجز بعض أموال صندوق البلدية على نحو مسبق ولمدة تفوق السنة، وذلك بغية توفير رواتب الموظفين والعمال الذين لا يمكن تركهم من دون رواتب مع عائلاتهم» بحسب رئيس بلدية شمسطار ـ غربي بعلبك سهيل الحاج حسن. ورغم ذلك، يؤكد الأخير أنه لن يكون هناك رواتب للموظفين مطلع العام المقبل، بالنظر إلى أن المبلغ الذي حُجز ينتهي بدفع راتب الشهر الأول من العام القادم».
إذا، هكذا عالج الحاج حسن مشكلة التأخير في دفع المستحقات المالية للبلدية، التي تبلغ عن فصل واحد ما يقارب 700 مليون ليرة، فيما تفوق عائدات الخلوي الأربعة ملايين ليرة، لكنه لا يرى مشكلة في تأخير الدفع فيما لو رفعت عن كاهل البلديات الكثير من المسؤوليات الإضافية التي «ترمى علينا والتي لا تعدّ من اختصاصنا، حتى أصبح الأهالي يعتبروننا المعنيين بها». فمن متطلبات مؤسسة مياه البقاع التي بلغت فاتورتها حتى هذا الوقت من العام 16 مليون ليرة، إلى مستلزمات شبكة الكهرباء، إلى مازوت التدفئة للمدارس ودائرة الأحوال الشخصية والمحكمة الشرعية الجعفرية، وحتى قرطاسية قوى الأمن الداخلي بحسب الرجل. وبناءً عليه يرى الحاج حسن أن الأجدى برؤساء البلديات النزول إلى وزارة الداخلية «وتسليم مفاتيح بلدياتنا، بدلاً من مقارعة المتطلبات الخدماتية والإنمائية، وما في بالجيبة ليرة واحدة، وإنما ديون مترتبة في ذمتنا للمتعهدين والشركات الخدماتية».
المستحقات مع الموازنة
تجدر الإشارة إلى أن عدداً من رؤساء بلديات البقاع التقوا وزير الداخلية والبلديات العميد مروان شربل، ونقلوا عنه أنه «سيصرف قريباً مبلغ 300 مليون دولار من عائدات الخلوي لدى وزارة الاتصالات»، وذلك فور توقيع موازنة عام 2013. وإلى ذلك الحين سيبقى رؤساء بلديات البقاع وغيرها من المناطق بين سندان متطلبات الأهالي الخدماتية والأعباء الإضافية، ومطرقة غياب السيولة المالية والديون المتراكمة والعائدات المغيبة منذ سنوات.