نادي المسنّات في الطيبة: عودة إلى المدرسة

0

صحيفة الأخبار ـ
داني الأمين:
في الصباح الباكر، يتوقف الباص أمام منزل عزيزة شرف الدين. تصعد متأبطة كتبها، والابتسامة لا تفارق ثغرها. تكاد تشبه تلميذة صغيرة، لكنها ليست كذلك؛ فشرف الدين تبلغ من العمر 82 عاماً، وهي كبيرة نسبياً على «لقب» التلميذة. لكنها، منذ فترة، صارت تشبه التلميذات في انتظارها للباص. أما الفارق، فهو أنها لا تقصد المدرسة، بل «نادي المسنين» الذي أنشأته بلدية الطيبة لتوفير الرعاية والترفيه… والعلم للمسنّات.
في ذلك النادي، الذي يجمع المسنّات ما فوق 70 عاماً، تستعيد شرف الدين حياتها «ما قبل التقاعد». فقد استعادت اللقاءات مع الجارات اللواتي انقطعت عنهن بسبب «ضعف جسدي الذي حرمني التنقل بين أحياء البلدة ومنازلها المتباعدة». وليس هذا فحسب، فقد عادت إلى ممارسة «مهنتها» في تعليم القرآن واللغة العربية. تجلس على كرسي قرب زميلاتها، وتحاول أن تستعيد دورها التربوي؛ «فهنا أستطيع أن أقوم بدوري مجدداً، كثيراً ما نتحدث عن كيفية قراءة القرآن، إضافة إلى الأحاديث الأخرى المسلية عن أحوالنا».
هذه الفرحة «اللي ما بعدها فرحة» اختبرتها أيضاً زينب كريكر، البالغة من العمر 72 عاماً. فقد كان يوم «السعد» اللقاء الأول في النادي مع نساء البلدة اللواتي منعهنّ كبر السن من التلاقي مجدداً. كريكر، التي فوجئت بالعناية الخاصة التي توليها البلدية للمسنات، تفرح بمكانها الجديد الذي «أخرجنا من عزلتنا داخل المنزل وسمح لنا بالتعرّف مجدداً إلى كل نساء البلدة من كبار السن، إضافة إلى الدروس القيمة التي نحصل عليها في مجالات مختلفة، وخصوصاً الصحية». ليست اللقاءات وحدها هي ما يوفرها النادي، فثمة اختصاصيون في مجالات متنوعة يرعون المسنين. ففي الطب مثلاً، هناك أمل نصر، الطبيبة المتخصصة في علم التغذية، التي تواظب «متطوعة بين وقت للاهتمام بالنسوة وتقديم العناية لهن، فأنا أراقب صحتهن وأحاول أن أقدم لهن برنامجاً غذائياً مناسباً لصحة كلّ منهن، حتى إنني أصبحت أستفيد من خبرتهن أيضاً في التعامل مع الأعشاب الطبية التي تنبت في حقولهن، وأحرص على اختيار العلاج الفعّال من بينها». وتراقب نصر أيضاً «مدى التزام السيدات تناول الدواء بقواعد الغذاء المطلوبة حسب المرض». أما ضحى عاشور، ممثلة جمعية العطاء للعمل الإسلامي الخيري، فقد تطوعت لخدمة هؤلاء المسنّات في النادي، بعدما أسهمت في ولادته. كان ذلك بعد دراسة أجرتها عن أحوال المسنات في البلدة وواقعهن الاجتماعي والاقتصادي والصحي والعلمي، حددت لها «الطريقة الأمثل لخدمة المسنّات، فكان النادي الترفيهي والتعليمي والصحي، لهؤلاء المتقاعدات، بعد الأخذ في الاعتبار خلاصة تجارب أندية المسنين في لبنان والخارج». وأشارت عاشور إلى أن «أهم ما يفيد المسنّات هو الترفيه والعناية الصحية والنفسية».
وتذهب مديرة النادي صباح فتوني إلى القول إن «سلوك المسنّات الاجتماعي بدأ يتغير بشكل إيجابي ولافت داخل منازلهن، حتى إن النشاطات الرياضية التي نحرص على متابعتها أسهمت في تحسّن لياقتهنّ البدنية». أما أهم ما في ذلك كله، فهو «التزامهن بالحضور إلى النادي ثلاثة أيام في الأسبوع وازدياد عددهن من وقت إلى آخر، وزيادة الألفة والمحبة بينهن». وترى أن «المفاجأة كانت بالتزام النسوة وسعادتهن بما يقمن به هنا، بعكس الرجال من كبار السنّ الذين فضّلوا عدم التزام الحضور إلى النادي».
وعن النادي، يشير رئيس البلدية عباس ذياب إلى أن «أحد الخيرين من البلدة هو من تبرّع بأرض المبنى الذي شيدته البلدية وجهزته بأسرة وتلفاز وقاعة للنشاطات التعليمية والرياضية وعيادة طبية، وتلتزم البلدية تغطية كل الحاجات الممكنة، بما فيها الأدوية وتعاون المراكز الصحية وتسيير رحلات ترفيهية لهن».

على فكرة
لا يشبه دار المسنين نادي المسنين. ففي الأول، يشعر المسنّ «بأنه متروك»، تقول إحدى المسنات. أما في الثاني، فالنادي للترفيه والرعاية والتعلم أيضاً. والأهم من ذلك أن المسن سيعود في آخر النهار إلى بيته. وهذا ما يجعله «أجمل». أما فكرة إنشاء النادي، فلم تكن الطيبة أول من ابتكرها، فعيترون كانت قد سبقتها، عندما أنشأت في عام 2006 نادياً لـ«كبار الضيعة» يحضرون إليه صباحاً ويغادرونه مساءً. وفي صيدا أيضاً، هناك نادٍ. أما ما انفردت به الطيبة، فهو أنها جعلته للمسنات فقط.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.