بلديات عكار في أزمة تصاريح البناء: الحـل قبـل أن ينفجـر الشـارع

0

صحيفة السفير  ـ
نجلة حمود:
بدأت أزمة تراخيص البناء تطفو على سطح المشكلات المزمنة في عكار، مع ارتفاع أصوات رؤساء الاتحادات البلدية، والبلديات، في غالبية أرجاء المحافظة، لمطالبة وزير الداخلية مروان شربل، بالعدول عن القرار الصادر في 29 تشرين الأول 2011، والذي منع بموجبه المخاتير من إعطاء علم وخبر بالعقارات غير الممسوحة وفقا للأصول القانونية، إلا بعد مراجعة الدوائر العقارية الرسمية، على أن يرفق معه الإفادة الصادرة عن الدوائر العقارية، ومنع البلديات من إعطاء إيصالات التصريح بالبناء المخالفة من دون مراجعة التنظيم المدني.
ويصف رؤساء البلديات القرار بـ«الجائر»، وأنه «مقدمة لمشكلة إنسانية، بدأت تتفاقم مع بداية فصل الصيف، حيث بات من غير الممكن التغاضي عن طلبات المواطنين بالحصول على تصاريح للبناء»، مؤكدين أن «القرار لا يمكن تطبيقه، خصوصا أن هناك قرى بأكملها مشيدة على عقار واحد بسبب تفشي ظاهرة الملكية بالشيوع وكثرة الورثة، والمغتربين غير معروفي الإقامة منذ زمن طويل». ويلفت رؤساء البلديات إلى أنهم «غير قادرين على امتصاص غضب المواطنين الممتعضين من قرار الوزير والمطالبين بالرجوع عنه أو أقله إيجاد استثناءات، لجهة إعطاء الصلاحيات للبلديات لمنح التصاريح وفق استثناءات وتحديدا بما يتعلق بالأبنية السكنية التي لا تتجاوز مساحتها 150 مترا مربعا، وترك الأمور للبلديات لتتحمل مسؤوليتها».
ويترك الواقع القائم الذي بات ينذر ببداية أزمة إنسانية من المرجح أن تنفجر في الشارع في القريب العاجل، مجموعة من الأسئلة المشروعة، لجهة ما هي خطة الدولة والوزارات المعنية لاستيعاب التزايد السكاني المستمر؟ وإذا كان قرار وزير الداخلية بداية الطريق نحو السير بالمعاملات وفقا للأصول القانونية والتي من شأنها تأمين شروط ومتطلبات السلامة العامة في الأبنية، لكن ما هو مصير الأبنية المخالفة التي لا تلتزم بأبسط الشروط الفنية التي يضعها التنظيم المدني وفقا للقوانين والمراسيم المرعية الإجراء؟ ولماذا لا يتم الإسراع في إنجاز أعمال التحديد والتحرير، والمسح العقاري للحد من الاعتداءات على الأملاك العامة، وتسهيل الحصول على الرخص، وحل النزاعات الإدارية القائمة بين المناطق؟ ولماذا لا تتخذ الوزارات المعنية إجراءات لتسهيل أمور المواطنين وعلى رأسها وزارة المالية المطالبة بإنهاء أعمال التحديد والتحرير وتلزيم ما تبقى من أعمال للمسح العقاري في القرى والبلدات، ووزارة الداخلية، ووزارة الأشغال العامة (المديرية العامة للتنظيم المدني) للإسراع في إنجاز المخططات التوجيهية والأنظمة التفصيلية للبلدات والقرى في عكار، ووزارة الدولة وشؤون التنمية الإدارية لتبسيط المعاملات والتخفيف من الروتين الإداري لتمكين الأهالي من إزالة الشيوع، وتسهيل أمورهم الحياتية، ووزارة العدل لإنجاز الدعاوى العالقة أمام المحاكم المختصة؟
ويعبر عدد من رؤساء البلديات عن خشيتهم دخول الموضوع في زواريب السياسة والمحسوبيات الإدارية والأمنية، ليشكل مقدمة لخلاف العديد من البلديات مع جهات أمنية تقوم بتغطية الإيصالات بالتصريح، إضافة إلى كثرة الرشى والفساد الإداري. ويؤكد رئيس «اتحاد بلديات جرد القيطع» عبد الإله زكريا «أن منطقة جرد القيطع تعاني من مشكلة مزمنة في هذا الموضوع، وذلك جراء غياب أعمال المسح والتحديد والتحرير للأراضي بشكل شبه تام منذ أيام الانتداب الفرنسي. وبالتالي فإن كل الأراضي في البلدة مملوكة وفقا لإفادة ملكية مؤقتة (علم وخبر) من المختار وكبار السن»، لافتا إلى أن «الحصول على رخصة بناء يتطلب وقتا وجهدا، جراء الروتين الإداري الذي يقع فيه المواطنون، ومنع المخاتير من إعطاء علم وخبر بالعقارات غير الممسوحة، ومنع البلديات من إعطاء تصاريح البناء»، مشدداً على «ضرورة إيجاد استثناءات من شأنها حل هذه المشكلة، مع الأخذ بعين الاعتبار الحاجة الملحة للأبنية جراء التزايد السكاني الكبير الذي تشهده محافظة عكار وضعف الإمكانيات المادية للمواطنين»، داعيا إلى «إعطاء الصلاحيات للبلديات لمنح الرخص وفق استثناءات وتحديدا بما يتعلق بالأبنية السكنية التي لا تتجاوز مساحتها 150 إلى 200 متر. وترك الأمور للبلديات لتتحمل مسؤوليتها».
ويطالب زكريا بتسريع إقرار مشروع قانون رئيس لجنة الإدارة والعدل روبير غانم «لتنظيم تراخيص البناء في المناطق النائية»، والتي تتراوح مساحتها بين 120 إلى 150 مترا مربعا، ما من شأنه أن يخفف من حدة الأزمة». ويقول رئيس «اتحاد بلديات ساحل القيطع» أحمد المير ان «الأزمة بلغت حدا غير مقبول، ولقد بتنا كبلديات غير قادرين على استيعاب غضب الأهالي، خصوصا أننا خلال فصل الصيف وقبل شهر رمضان والطلب على رخص البناء يتزايد»، لافتاً إلى «أننا كرؤساء بلديات واتحادات ومخاتير سنعقد اجتماعا موسعا للتباحث في كيفية إيجاد مخرج لتلك المسألة ولرفع الصوت لدى المعنيين»، مؤكدا أن «الملف سينفجر في الشارع إذا لم يحل، وهذا ما لا تتحمله المنطقة».
في مقابل ذلك، يؤكد المتابعون للشأن العقاري في عكار أن «حجم المخالفات كبير جدا في المحافظة ويجب الالتزام بالشروط القانونية وتفعيل دور التنظيم المدني الذي تعطل دوره في السنوات الماضية، بسبب تفويض البلديات إعطاء تصاريح البناء مخالفة للأصول القانونية ودون الحصول على كشوفات فنية مسبقة، ما أدى إلى نشوء فوضى عمرانية وأبنية لا تتوفر فيها شروط السلامة العامة وذلك بسبب التفاهم الذي كان قائما بين البلديات والقوى الأمنية التي لا تناقش في قانونية الترخيص». وأكدوا أن «الوقت قد حان لمعالجة هذا الموضوع، وأن قرار وزير الداخلية وضع الأمور على الطريق الصحيح، لكن الأمر يتطلب الصبر من المواطنين، مع التشديد على أن أصول تحصيل رخص البناء ليست من صلاحية البلديات فقط بل من المكتب الفني المخول الكشف على العقارات المرخصة قبل إعطاء الترخيص وبعدها يقوم بتنظيم كشـف فنـي بالرسوم يرفع أصولا إلى البلدية لمنح الترخيص».

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.