صراع بين بلدية درعون ـ حريصا وأهاليها على تحويل محمية إلى منطقة صناعية!

0

صحيفة السفير ـ
مايا أبو صليبي خشان:

استفاق أهالي بلدة درعون ـ حريصا منذ حوالي ثلاثة أسابيع، على قرار رفعه المجلس البلدي فيها الى المديرية العامة والمجلس الأعلى للتنظيم المدني لإعادة النظر بقرارهما المتخذ بتاريخ 8/8/2001، والذي رفض الموافقة على إعادة تصنيف منطقة صناعية في درعون، وذلك في ضوء طبيعة المنطقة المميز وانحدارها اللذين لا يسمحان بتخصيصها للنشاط الصناعي.
أتى وقع القرار ثقيلا على مسامع عدد من أهالي المنطقة، وأثار حفيظتهم القروية والبيئية، لعدم الأخذ برأيهم أولا، وخاصة رأي الكبار في السن والمعمرين في البلدة، ومن ثم لعدم مراعاة المصلحة العامة للأهالي ولدرعون ضيعتهم الخضراء التي لا تزال تحافظ لليوم على طابعها البيئي المميز، ويعيشون فيها وينعمون بهدوئها وهوائها الذي لا يخلو من غبار إحدى الكسارات الموجودة منذ حوالي العشرين عاما، كما يشكو أحد السكان.
في المقابل أيّد قسم من السكان القرار ووجده مفيدا للبلدة وشبابها، خاصة أنه يلحظ في مضمونه توخي المصلحة العامة دون سواها، وأخذ بعين الاعتبار الوضع الحالي للبلدة وحاجتها الماسة الى تنظيم عمل المؤسسات المصنفة ضمنها والى ضرورة إيجاد وتأمين فرص عمل لأبنائها والجوار داخل منطقتهم انطلاقا من مبدأ عدم تفريغ البلدات والقرى من أبنائها بنزوحهم الى المدن وتشجيعهم للبقاء في بلدهم عوضا عن هجرتهم الى بلدان الاغتراب بحثا عن لقمة عيشهم.

مع الشجرة ولكن…

ما بين لقمة العيش وتعزيز الصناعة والنمو الاقتصادي وعدم التفريط بالأشجار والصخور والجبال الخضراء، انقسم الشارع الدرعوني بانتظار رد المديرية العامة للتنظيم المدني.
رئيس بلدية درعون ـ حريصا، أنطوان الشمالي أوضح في حديثه لـ«السفير»، أن المنطقة المراد تصنيفها هي صناعية في الأساس ومنذ الستينيات، تطل على وادي عجلتون ولا تمت بصلة الى حرش بكركي وحريصا كما يروج البعض، بل تعود ملكيتها الى أهالي درعون. كما لفت الى أن المجالس البلدية المتعاقبة أثارت الموضوع، لكنه سرعان ما رفض من قبل المديرية العامة للتنظيم المدني. «وبما أن نصف القوة العاملة في درعون تعمل في المطابع ومعامل الكتب والتجليد والبوظة والتجميل، المشهورة بها درعون، وهي من الدرجة الرابعة والخامسة، وموجودة بين البيوت… لذلك رأينا أنه يجب تأمين متنفس صناعي للمنطقة وشبابها، ووجدنا أنه ما من مكان آخر أكثر ملائمة من الموقع المطلوب لإنشاء منطقة صناعية ضمنه، بما أنه الوحيد البعيد عن المناطق السكنية وغير منظور من القرى المحيطة وذو طبيعة حرجية غير كثيفة وانحدار متوسط. فضلا عن أن التخطيط الذي يمر داخل المنطقة يصلها بالتالي ببلدتي درعون وغوسطا، وقد تم تنفيذ المرحلة الأولى منه وشقت الطريق بالكامل وهو ينتظر استكمال تسوية قالب الطريق والبنى التحتية والتعبيد». وأضاف إن المجلس البلدي طرح مجددا الحصول على موافقة التنظيم المدني، لكن بشروط وصفها الشمالي بالقاسية وبالتي لا مثيل لها أوروبيا على صعيد مراعاتها للبيئة، « اذ نسعى لإنشاء منطقة عازلة سكنية وصناعية من الدرجة الرابعة والخامسة، تفصل بين المنطقة المنوي تصنيفها صناعية وبين تلك السكنية الحالية المجاورة، بحيث تكون قطع الأرض الموجودة الصالحة للبناء لا تقل عن 1200 متر مربع، وقطع الإفراز 2400 متر مربع مع معدل الاستثمار السطحي 30% وعام 60%، على أن يكون عدد الطوابق اثنان، العلو الأقصى عشرة أمتار شرط تلبيس حجر طبيعي 60% من كافة الجهات و60% شاحط قرميد. أما المنطقة المتبقية بعد المنطقة العازلة، تصبح منطقة صناعية للصناعات من الدرجة الثالثة والرابعة والخامسة، على أن تحدد لاحقا الصناعات المسموح بها ضمن الفئة الثالثة بالتنسيق بين المديرية العامة للتنظيم المدني والبلدية، بحيث تحدد القطع الموجودة الصالحة للبناء لا تقل عن 2000 متر مربع وقطع الإفراز لا تقل عن 4000 متر مربع، الاستثمار السطحي 30% وعام 60%، عدد الطوابق اثنان، العلو الأقصى عشرة أمتار شرط تلبيس حجر طبيعي 40%من كافة الواجهات». واعتبر أن ما يقوم به بعض الأهالي من اعتراض، ما هو الا «هوبرة في غير محلها». كما لفت الى أن خطوة البلدية هذه، ما هي الا محاولة جدية لإنعاش المنطقة وخدمة شباب درعون، «الذين نسعى لإبقائهم في بلدتهم ، مشددا أخيرا على معارضتهم للفوضى وتأييدهم المطلق للتنظيم المدني لهذه المنطقة التي لا يملك فيها كما أكد أي حصة، «لكن إن أصبحت صناعية، سأكون أول من ينشئ معملا فيها لأحافظ على أولادي في أرضهم».

المحمية توكل محاميا

من جهته، اعتبر المحامي حميد الشمالي الذي كان أول من أثاره قرار البلدية، «ان معظم أهالي درعون يرفضون ويعترضون على وجود منطقة صناعية في بلدتهم، بدلا عن مستشفى مثلا أو دار للمسنين، مع المحافظة على الطابع البيئي الموجود في المنطقة». وأضاف الشمالي إنه يتفهم جيدا أن هناك أرزاق أناس يريدون الاستفادة منها بطريقة ما، «مع الإشارة الى أن مساحة كبيرة من المنطقة تعود ملكيتها لأشخاص من خارج درعون… إنما ذلك يمكن أن يكون من خلال دراسة بيئية وهندسية تحافظ على الطابع الصخري والبيئي للمحمية ذات الطابع الصناعي باستثمار 3% فقط، وإلا فلتستملكها البلدية كحل لأرزاق الناس، بدلا من تكسير الأشجار والصخور للاستحصال على مبسط في عمق الوادي لبناء المعامل عليه، ومما يستوجب خلق عذر جديد لإنشاء كسارة جديدة في درعون بعد تلك الأولى الموجودة قرب دير مار يوحنا حراش في عين الريحانة». ورأى أنه من الجميل والسهل نص الشروط «التي يستحيل تطبيقها بعد تدمير البيئة». هذا وأكد الشمالي أن موضوعه محاربة المنطقة الصناعية وليس الأشخاص أبدا، وتعهد لرئيس البلدية بعدم ترشحه للانتخابات البلدية، بالقول» لست أبدا في وضع الترشح، ومعركتي محض بيئية ضد منطقة صناعية». وناشد أخيرا الدولة بسلطاتها الثلاث ووزارة البيئة ومديرية التنظيم المدني للامتناع عن إقرار هكذا مشروع، والتأكيد على القرارات السابقة.

الأهالي مع وضد

وكان أهالي درعون الذين سارعوا للتوقيع على الاعتراض المسجل في قلم البلدية، قد أصدروا بيانا اعتبروا فيه أن هناك جريمة بيئية تتحضر من خلال تمرير مشروع تغيير تصنيف منطقة حرجية، هي محمية طبيعية بحد ذاتها، الى مدينة صناعية، وأن المجلس البلدي وراء تغيير معالم الطبيعة الخلابة في درعون، حيث وافق بجلسة واحدة على إقامة مدينة صناعية وبشيء من السرية وبحجة أن كل أبناء البلدة قد طالبوا بذلك، فيما الأمر مغاير للحقيقة. كما اعتبروا في بيانهم أن ارتكاب مثل هذه الجريمة سوف يؤدي الى زيادة التلوث وتكاثر النفايات الصناعية مما يزيد من تأثيرها على المياه الجوفية، لتطال المجتمع حاضرا ومستقبلا. هذا ووجد البيان أن لهذه الجريمة غايات سياسية ومالية بامتياز. كما أرادوا التعبير من خلال اعتراضهم، على تفاجئهم من القرار المذكور الذي يطالب باسمهم أبناء البلدة، فيما لا علم لهم بأنهم قاموا بمراجعات مماثلة. كما أرادوا التوضيح أن المنطقة المزمع إنشاء منطقة صناعية فيها، وخلافا لما ذكر في القرار، هي قريبة جدا من الأماكن السكنية، وأبناء البلدة يصلون اليها سيرا على الأقدام ويقصدونها للتمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة الموجودة… فضلا عن أن الانحدار القوي الموجود في المنطقة لا يسمح بإنشاء مدينة صناعية، اذ يجب تسهيل المنطقة لإنشاء الأبنية أي قطع ما هو موجود من أشجار وتكسير ما هو موجود من صخور، أي وبفرض حسن النية وبحسب ما ذكر في ورقة الاعتراض، إعطاء ذريعة لإنشاء كسارة جديدة في منطقة درعون ـ حريصا.

بين المخاوف وفرص العمل

يقول الياس آدم، من سكان درعون، «إن المنطقة القريبة من ربنا وإن قرار البلدية هو تمهيد لكارثة بيئية تهدد التناغم البيولوجي الموجود في المحمية». وسأل مع جاره جوزيف الشمالي «من يستطيع أن يمنع التلوث البيئي عن بلدتهم، ولماذا لم تمنع معامل الحجارة ومناشير الصخور وكل أنواع المعامل التي تشمل الفئة الثالثة من المؤسسات؟» كما سألا عن من يضمن لهم عدم تسرب المواد الصناعية الى أراضيهم، «اذ يكفينا الفتات الأسود الذي يصلنا من معمل الذوق الحراري، والغبار الأصفر من الكسارة الموجودة منذ سنوات في بلدتنا».
إلا أن ساميا عازوري وجدت في المدينة الصناعية مخرجا لشباب البلدة العاطلين عن العمل، وأيدت مع جنان نخول إنشاءها شرط ألا تكون قريبة من البيوت ولا تسبب الإزعاج لهم سواء لناحية الرائحة أو الدخان أو الأصوات كما يحصل مع أحد معامل الكتب الموجود بين البيوت ويسبب العمل فيه ليلا إزعاجا للسكان الذين يشرعون أبوابهم للتنعم بهواء البلدة المنعش. هذا وأثنت ساميا على جهود البلدية التي لا توفر فرصة لتحسين وإنماء المنطقة. من جهتها اعتبرت جنان أن الصناعات من الدرجتين الرابعة والخامسة لن تتسبب بأي ضرر. بدوره أيد جورج نخول قرارات البلدية، لافتا إلى أن الحداد أو الكهربائي أو الميكانيكي لن يضر بالبيئة أبدا، «بل على العكس فان ذلك سيسهل علينا الأمور التي ستصبح أقرب على ابن المنطقة».
وفي انتظار حكم المديرية العامة للتنظيم المدني الجديد، يبقى الجدل قائما في درعون على توصيف قرار البلدية، بالمدينة الصناعية أو بالجريمة البيئية؟!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.