غرفة تحكّم السير: حلٌّ جزئي.. في انتظار سلطة تقرر نظام النقل العام!

0

صحيفة السفير ـ
زينب ياغي:

أمام السلطة السياسية مهلة قصوى حتى العام 2020، لوضع نظام النقل العام قيد العمل الفعلي. وفي حال لم يحصل ذلك، سوف تجد نفسها مضطرة لإعلان حالة الاستنفار العام، من أجل حل قضية السير في لبنان. وحينها، لن يكون بإمكان جميع القوات المسلحة، من جيش وقوى أمن داخلي، حلّ القضية، لأن شوارع بيروت لن تتسع للسيارات التي تسير فيها.
يؤكد تلك التوقعات، مهندسو المواصلات في غرفة تحكم السير التي وضعت قيد العمل في أيلول الماضي. ويستند المهندسون إلى عدد السيارات التي تدخل إلى شوارع بيروت يومياً، ويبلغ عددها خمسمئة وخمسين ألف سيارة، وهو يعتبر رقماً مذهلاً، إذا ما قورن بأعداد السيارات التي تسير في عواصم العالم، نظراً لمساحة بيروت الصغيرة. ويقول المهندسون إنه يجب أن يكون في بيروت نصف ذلك العدد من السيارات.
ومع ذلك، لا تزال الحكومات المتعاقبة تعتبر مسألة المواصلات ثانوية، لأن المسؤولين يحلون مشكلة سيرهم بالمواكب الأمنية على الطرقات، ما يجعلهم غير منتبهين لما يسببه الازدحام من إنهاك للأعصاب، وهدر للوقت، وما تسببه عوادم السيارات من تلوث بثاني أوكسيد الكربون، تخطت بحسب دراسة أعدتها «الجامعة الأميركية في بيروت»، النسبة القصوى المسموح بها لدى «منظمة الصحة العالمية»، وهي 40 ميكوغراماً في كل متر مكعب، بينما النسب العادية تتراوح ما بين عشرة وعشرين ميكوغراماً.
وتتهرب الحكومات من تنفيذ نظام النقل، على غرار جميع العواصم في العالم، لأنها لم تتخذ قرار المساس بفئات المنتفعين من فوضى النقل، سواء في أعداد أرقام السيارات والحافلات والفانات المزورة، وهم بدورهم من مناصري الزعماء السياسيين، ومن أجل الاستفادة من الرسوم على السيارات الخاصة المستوردة، إذ يشهد لبنان ظاهرة لا مثيل لها أيضاً، وهي وجود راكب واحد (السائق) في كل سيارة، يذهبون بها، فرداً فرداً، إلى أعمالهم يومياً، ويتذمرون من زحمة السير.

دراسات متعددة للنقل.. والكلفة إلى ارتفاع

لم تؤد كثرة الدراسات والمشاريع التي قدمت لتنفيذ خطة النقل الغرض المنشود منها، لأنها لا تزال في الأدراج، مع العلم بأن كلفة إعدادها مرتفعة. وتقول مصادر مطلعة ان خطة النقل الحضري التي يجري تنفيذها حالياً كانت تتضمن طرقات ومحطات لحافلات النقل العام وإقامة «مترو»، لكن الحكومات السابقة أخذت فقط بالجزء المتعلق بتنفيذ الأنفاق والجسور وإشارات السير فقط، وأهملت الجزء الرئيسي المتعلق بحافلات النقل. كما أن الخطة التي قدمتها وزارة الأشغال العامة لا تزال مجهولة المصير. ويقول المهندسون في غرفة تحكم السير إن ما تقوم به الحكومة ليس سوى «سياسة هروب إلى الأمام»، وعندما تقع الواقعة، سوف تكون الكلفة مضاعفة بسبب مرور الوقت وارتفاع الأسعار، عما كانت عليه لدى تنفيذ خطة النقل الحضري.
ويمكن معرفة حجم الكارثة الآتية من خلال أعداد السيارات الداخلة إلى بيروت يومياً، إذ يحدد أحد المسؤولين في الغرفة أيمن عبد الغفور، ثلاثة «بلوكات» كبرى من السيارات وهي: السيارات الداخلة من جل الديب، ويبلغ عددها التقريبي ثلاثمئة ألف سيارة، وتلك الآتية من مدخل بيروت الجنوبي حتى سليم سلام، وعددها مئة وخمسون ألف سيارة، وتلك الآتية من البقاع والجبل باتجاه الصياد، وعددها مئة ألف سيارة.. فيما يرى بعض العاملين في الغرفة أن العدد أعلى من ذلك. أما ساعات الذروة فهي تمتد ما بين السابعة والعاشرة صباحاً، وما بين الرابعة والسابعة مساء. وفي فترات الأعياد، يزيد عدد السيارات على ذلك، فتصبح الغرفة عاجزة عن التحكّم بالسير. وهنا، يقول أحد الموظفين إن عدداً كبيراً من الناس أصبح يرغب بقضاء عطل الأعياد في المنزل، لتجنب الزحمة وتلف الأعصاب.

معالجة حوادث وحفر وازدحام

تعمل الغرفة تحت إشراف هيئة إدارة السير، برئاسة فرج الله سرور، وفيها موظفون من وزارة الداخلية وشركة «تلفنت» الاسبانية التي التزمت تركيب الإشارات الضوئية وصيانتها، وشركة «تيم» التابعة للمهندس تيم نقاش الذي أعد مشروع النقل الحضري. وتقدم تقارير يومية إلى وزارة الداخلية ومجلس الإنماء والإعمار الذي التزم مشروع النقل الحضري، ولم ينجزه بعد.
ويفترض أن يمر المشروع بعدة مراحل كي تصبح «هيئة إدارة السير» مسؤولة عنه كلياً. وكان وزير الداخلية مروان شربل قد أمهل «مجلس الإنماء والإعمار» حتى نهاية العام الجاري لانجاز جميع الجسور والإنفاق وتركيب الإشارات الضوئية، ثم أعطاه، خلال افتتاح الغرفة في أيلول، مهلة إضافية، تمتد حتى منتصف العام المقبل. لكن، من الصعب الإنتهاء من نفق رأس النبع ضمن تلك المهلة.
بدورها، لا تزال شركة «تلفنت» تعمل على تنظيم إضاءة الإشارات الضوئية، تبعاً لنسبة الازدحام عند التقاطعات التي تم تركيبها فيها. وسوف تستمر الشركة في صيانة الإشارات في حال تعرضها للأعطال.
وقد جرى حتى الآن تركيب تسع وعشرين آلة تصوير، على تسعة وعشرين طريقاً، تبدأ من نهر الكلب… وصولاً إلى المدينة الرياضية. ويمكن لكل آلة منها كشف الطريق الذي ركبت عليه، على مسافة تمتد لتسعمئة متراً، مع التوقعات بزيادة العدد في ما بعد.
ويشمل عمل الغرفة جميع طرقات بيروت الكبرى، أي الطرقات التي لم تشملها آلات التصوير بعد، مثل الضاحية الجنوبية، حيث يتم الإعتماد حالياً على الدرّاجين.
ويوضح المسؤول الآخر في الغرفة حسين نجم، أن المشاكل التي تعترض السير ويتم حلها، تتناول أولاً حوادث السيارات والشاحنات التي تحصل على الطرقات: «عندما نشاهد حادث اصطدام على طريق معين عبر آلة التصوير، يتم الاتصال بأقرب دركي دراج من مكان الحادث، والطلب منه الذهاب سريعاً إلى المكان، فإذا كان الحادث يتعلق بسيارة، يعمل الدراج سريعاً على دفعها إلى جانب الطريق في انتظار مجيء الرافعة. وقد صادف اصطدام سيارتين ببعضهما على طريق انطلياس لدى وجودنا في الغرفة، فاتصل المعاون في قوى الأمن الداخلي بالدراج للتوجه فوراً إلى المكان، لكن الحادث كان بسيطاً، فدفع صاحب السيارة سيارته إلى جانب الطريق، قبل وصول عنصر قوى الأمن».
في حال كان الحادث ناتجاً عن انقلاب سيارة شحن، تطلب قوى الأمن من صاحب السيارة الإتصال بشركة التأمين المتعاقد معها لاستقدام رافعة بشكل سريع، ورفع الشاحنة عن الطريق. وأحياناً، يكون الحادث صعباً، مثلما حصل عندما انقلبت شاحنة تحمل مازوت، واضطرت قوى الأمن إلى تنظيف الطريق من المازوت، كي لا تنزلق السيارات عليه، ما تسبب بتوقف السير لمدة ساعتين.
في حال ازدحام السير، يتم الاتصال بعناصر الدرك الدراجين والثابتين على مدار الساعة، من أجل العمل على تسهيل مرور السيارات قدر الإمكان في المناطق التي تشهد ازدحاماً، وهي بشكل خاص: جل الديب، وجسر سليم سلام الذي أصبح أكثر ازدحاماً بسبب إقفال الطريق قرب مبنى منظمة «الإسكوا» في وسط بيروت، وبولفار سن الفيل… من البراد اليوناني حتى شركة ألمازة، شارل مالك… حتى برج الغزال في الشرفية، مدخل برج حمود الذي تراجع فيه الازدحام بعد تركيب إشارة ضوئية، والحمام العسكري قرب النادي الرياضي، وطريق المرفأ، وخاصة عندما يقوم الجيش بتفتيش الشاحنات الداخلة والخارجة منه، ضمن إجراء بتخذه كل فترة. أما منطقة الحمراء فهي مزدحمة باستمرار، بسبب ضيق الطريق، وكثرة السيارات، ولا يمكن عمل أكثر مما يجري حالياً، من تركيب الإشارات ووقوف عناصر قوى الأمن.
ويقول حسين نجم إن عمل الغرفة ساهم أيضاً في عدم وفاة أشخاص يتعرضون لحوادث السير، «لأنه عندما نرى الحادث لحظة وقوعه، يتم الإتصال فوراً بالصليب الأحمر والدفاع المدني لنقل الجرحى إلى المستشفى». كما ساهمت المواقف المؤقتة («البارك ميترز») في تراجع أعداد السيارات التي تتوقف إلى جوانب الطرقات، مشيراً إلى أنه «في كل شارع جرى فيه تركيب مواقف، كان الناس يشتكون منها، ولكن بعد وضعها، يكتشفون أنها خففت الازدحام».
وتتوفر في الغرفة أرقام عدد من الموظفين في وزارة الأشغال، للاتصال بهم من أجل تصليح الحفر التي يتم اكتشافها على الطرقات، وأرقام موظفين في وزارة الطاقة لتصليح أعطال قساطل مياه وتمديدات كهرباء، بالإضافة إلى أرقام بلديات بيروت والضواحي، ومجلس الإنماء والإعمار.
وأحياناً، تكون بعض المشاكل التي تعيق السير بسيطة، ولكنها ناتجة عن سوء التقدير، فقد كان يوجد مثلاً عدد من مستوعبات النفايات الموضوعة على الطرق بطريقة فوضوية، وتمت إزاحتها من أمكنتها، كما حصل عند طريق سليم سلام.
واستناداً إلى حصيلة شهرين من العمل، بلغ معدل الحوادث التي تسجل شهرياً ما يقارب ثلاثمئة وخمسين حادثاً، بينما أدى عمل الغرفة إلى تخفيف مشاكل السير بنسبة ثلاثين في المئة.
ويفترض أن تساهم آلات التصوير أيضاً في اكتشاف حوادث أمنية تحصل على تلك الطرقات، لكن لم يتم تسجيل حوادث من ذلك النوع على الطرقات منذ افتتاح الغرفة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.