هموم تنموية ومعيشية مشتركة يعيشها «الجنوبيون» في إيطاليا ولبنان

0

صحيفة السفير ـ
حسين سعد:
عندما تطأ قدماك أرض الجنوب الإيطالي، تشعر كأنك في جنوب لبنان، الفوارق بين الجنوبين قليلة جداً، وكذلك بين الجنوبيين، أما ما يجمع بينهم فكثير، إن لم ننطلق من أن أجداد السكان الحاليين قد حكموا بلادنا، ناقلين إليها بعضاً من حضارتهم وفنّ عمارتهم قبل ألفي سنة. الجنوب الإيطالي منبسط، خالٍ من الجبال، من شجر الزيتون، إلى التربة، إلى الشاطئ، وصولاً إلى نزوح الشباب نحو الشمال، والعاصمة روما، حيث تتأمن فرص أفضل للعمل. أما القاطنون فيرزحون تحت هموم معالجة النفايات الصلبة، والحفاظ على الإرث الثقافي.
في الطريق من مطار «بريتزي» إلى مدينة «ليتشيه»، بعد الوصول إليه من مطار العاصمة روما على مدى ساعة من الوقت، تبادرك أشجار الزيتون المعمرة، المغروسة بطريقة منظمة، تحافظ على الشكل والإنتاج. تشكل زراعة الزيتون، مصدراً رئيساً في معيشة أبناء المنطقة، ففي شهر تشرين الأول من كل سنة، تنخرط العائلات الإيطالية، التي تمتلك أراضيَ خاصة مزروعة بالزيتون، في قطاف الموسم، تزامنا مع استعداد معاصر الزيتون الحديثة للعمل.
ولأن الزيتون في الجنوب الإيطالي يؤمن ما يزيد على الثمانين في المئة من الدخل العام للسكان، ولأن الإيطاليين يتغنون بتاريخ وحاضر زراعة الزيتون، واهتمامهم بنقل كل جديد، كان لا بد لصاحب الدعوة رئيس «جمعية البحوث الإيطالية» آرتورو باروليني، من أن يستهل الجولة الإنمائية التي نظمتها «الجمعية» لرؤساء خمس بلديات في منطقة صور، وممثلين عن اتحاد البلديات في القضاء، وفريق الجمعية العامل على الأراضي اللبنانية، بزيارة إلى حقل كبير للزيتون على مشارف قرية «سالينتو»، على ارتفاع أقل من مئة متر عن سطح البحر المتميز بشاطئه الصخري المقابل لليونان. تعاون آرتورو مع عدد من مزارعي المنطقة، على شرح بداية زراعة الزيتون فيها. وهي زراعة تعود إلى مئات السنين، لافتا إلى الطرق الحديثة في ريّ الزيتون، وهي عبارة عن «شبكات مياه تحت أرضية»، وكذلك عن طرق معالجة الأعشاب والحشائش عن طريق القص، وعدم استخدام الأدوية في التخلص من تلك الأعشاب، حتى لا تنعكس على بنية الأشجار ومحصول الزيتون، بالإضافة إلى شرح مفصل عن عملية عصر الزيتون لاستخراج الزيت والإفادة من فضلاته في تسميد الأرض.
غياب المياه الجارية من أنهر وجداول، واقتصار استخراج المياه من الآبار الارتوازية المتوفرة بكثرة لسد حاجات المنطقة من المياه، فرض على أبناء الجنوب التمسك بشجرة الزيتون في تلك الأراضي الشاسعة، نظراً لعدم حاجتها الكبيرة للمياه، ذلك بالإضافة إلى استعانة المزارعين بزراعات شبيهة مثمرة مثل الصبار، والتين، والجوز، والصنوبر، وبعدد لا بأس به من أنواع الخضار.
ويتابع «اليسار» بكل أنواعه وفصائله هموم زراعة الزيتون في إحدى المناطق الأكثر فقراً في إيطاليا، وظهر ذلك جلياً عبر فوز أحد اليساريين برئاسة مقاطعة «بوليا»، التي تقع ضمنها مدينة «ليتشيه»، ويبرز فيها العداء للرئيس الإيطالي سيلفيو برلسكوني وسياساته. وتطفو على السطح هموم إنمائية عديدة في المقاطعة، بعد تقليص الحكومة لعائدات المجالس المحلية (البلديات)، وبحث الاخيرة عن مصادر للتمويل. فتتجه بلديات تلك المقاطعة اليوم، إلى الاتحاد الأوروبي للحصول على تمويل للقطاعات الضرورية، مثل معالجة النفايات، وتأهيل وترميم المنازل القديمة المبنية بحجارة صخرية، واستخدام معظمها كفنادق صغيرة للسيّاح، الذين يقصدون المنطقة من أصقاع العالم كافة. كما تعمل المجالس المحلية على الحفاظ على «بواكير» كروم الزيتون، وهي كناية عن منازل صغيرة مبنية بحجارة جمعت من الحقول نفسها، ولم يدخل في بنائها أي نوع من أنواع الطين. فمعالجة النفايات، وترشيد استخدام المياه، كما شرح رئيس إحدى البلديات الصغيرة «مالبينيانو»، «تتم وفق آليات تعاون وشراكة مع القطاع الخاص، فرضت نفسها بعد تراجع التمويل الخاص من الحكومة عبر صندوق البلديات».
كما يبرز الاهتمام بالقطاع السياحي بشكل كبير في المقاطعة، وخاصة في مدينة ليتشيه، التي يختلف ليلها عن نهارها. فتتحول أزقتها الداخلية القديمة التي خضعت للترميم والمقتصرة على سير الدراجات النارية والهوائية، من شوارع فارغة في النهار إلى شوارع مكتظة، تفرش بالطاولات والكراسي المخصصة لزبائن المطاعم، التي تفتح حتى ساعات ما بعد منتصف الليل بقليل، جاذبة شباناً وشابات تزهو بهم المدينة. في المقابل، تخلو ساحات القرى والأرصفة للمسنين والمسنات، فيما تشهد كنائس المدينة، التي تعود إلى العصر «الباروكي»، إقبالاً ملحوظاً للمصلين على وقع قرع أجراسها المتناغمة. وتزيد تلك الكنائس عن عشر، في مساحة ضيقة جدا. وهي مبنية بحجارة صخرية، تكللها تماثيل لباباوات وقديسين، وأشكال تبهر أعين الزائرين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.