بطرّام.. بلدة العِلْم الكورانية تحارب التلوث

0

صحيفة البناء ـ
فاديا دعبول:
تتوسط بلدة بطرّام قضاء الكورة، تحدها من الشمال عابا وبدبا، ومن الجنوب بشمزين وأميون، ومن الشرق بصرما وكفرعقا، ومن الغرب فيع وعفصديق. ترتفع عن سطح البحر حوالى 280 متراً، وتبعد عن مدينة طرابلس ما يقارب الـ15 كيلومتراً، وعن مركز القضاء أميون 4 كيلومترات، أما عن العاصمة بيروت فتبعد حوالى 76 كيلومتراً. يمكن الوصول اليها من طرابلس مروراً بضهر العين، بتوراتيج، عابا- بطرّام، ومن بيروت مروراً بالساحل حتى بلدة شكا، ومنها صعوداً الى كفرحزير، فبشمزين، فبطرّام. وتتفرع من بطرّام طرق عديدة تربطها بمعظم قرى الكورة.
بطرّام كلمة سريانية معناها بيت الجبل العالي، لوجودها على تلة مرتفعة. والبلدة قديمة العهد، والشاهد على ذلك مغاور صخرية قديمة وكبيرة في وادي الكوة، بين بطرّام وبدبا، وكذلك هيكل فينيقي قديم يدعى «أشمونيت»، يدل على ان البشر سكنوا بطرّام منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد.
والاسم «بطرّام» ظهر منذ القرن الثاني عشر في المخطوطات التي كتبها اللورد كالتاديوس عن المنطقة، وموجودة في المكتبة الوطنية في باريس، وفي مكتبتَيْ الفاتيكان وأوكسفورد.
الوضع الإداري
بعد الفترة الصليبة، كانت بطرّام تدور في فلك مدينة طرابلس، الى ان حلّ الاستعمار العثماني سنة 1516، الذي أخذ بترتيب الأوضاع الإدارية.
وفي ظل المتصرفية سنة 1864، قسمت الكورة الى ثلاث مديريات، وفي غمرة هذه التقسيمات لمع اسم نقولا بك مالك، وكان مدير ناحية في الكورة الوسطى، وشيخ صلح بلدة بطرّام الشيخ مالك سليمان.
وفي العام 1914 كان رئيس البلدية الشيخ سليم مالك، ومن بعده عزيز بك مالك، والمختار الشيخ عبد المسيح سرحان. ثم كانت البلدية في العام 1923، برئاسة الشيخ نقولا مالك، ثم الشيخ سليم اسحق مالك، ليخلفه مرشد نعمة، الذي استقال من رئاسة البلدية سنة 1932، وعيّن سليم اسحق ديب مكانه، ثم عيّن سليم اسحق مالك للمرة الثانية رئيسا للبلدية، فابراهيم سرور، ومن بعده الياس اسكندر مالك، ثم فؤاد اديب سالم سنة 1963 لستة اشهر.
بعد فؤاد أديب سالم عيّن ميخائيل يوسف سالم، فموريس الياس الحصني- الخوري- ثم ايلي موريس خوري عام 1998، والمختار ابراهيم الملكي، ثم اعيد انتخابهما لمرة ثانية عام 2004. وفاز في الانتخابات البلدية الاخيرة المحامي كمال اديب سالم، أما المجلس البلدي فيتألف من 12 عضواً، كما ان ضهور الهوا ولأول مرة تحظى بمختار لها، هو عماد العبدو. والمختار ابراهيم ملكي يعاد انتخابه مجددا.
المختارون
المختارون الذين تعاقبوا على مركز مختار بلدة بطرّام فهم: انطانيوس موسى سالم، موريس خليل جبورسرحان، موريس انطونيوس موسى سالم، نجيب الياس الحصني- الخوري، ابراهيم الملكي، خليل جرجي سالم من 2005 ولغاية 2006.
أهم رجالاتها
برزت في بطرّام رجالات عديدة، منهم من لعبوا في الازمان الغابرة ادواراً مهمة على الصعيدين الوطني والعالمي، ومنهم من يلعب دوره في ايامنا الحاضرة، نذكر منهم : الدكتور شارل مالك، خليل ابراهيم سالم، البروفسورغسان جبور، الدكتور انطوان سالم، الدكتورايلي سالم، المهندس جورج سرحان، الدكتور سمعان خليل سالم، اللواء الركن سهيل خوري، الدكتور ادمون الخولي، البروفسور فيليب سالم، مجيد سلامة صقر، ميلاد الكلش وبولس قزما الخولي.
الهجرة
عرفت بطرّام الضيقة الاقتصادية كما عرف لبنان الفتن الطائفية البغيضة خلال القرن التاسع عشر، وخلال الاستبداد التركي، عرفت كبت الحريات وسوء الحالتين الأمنية والاقتصادية، كل هذا دفع بالاشخاص وبعض العائلات الى ترك الوطن دون عودة ثانية اليه..ونتيجة تحسن اوضاع المهاجرين المادية، قام قسم كبير من ابناء البلدة بالهجرة إلى أميركا، اضافة الى استراليا، وحاليا الى الدول العربية، كما الى القارة الافريقية.
وللاطلاع أكثر على وضع هذه البلدة العريقة قامت «البناء» بجملة لقاءات مع رجالات بطرّامية، تم خلالها استعراض كل النواحي الفكرية والعلمية، الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، قديما وحديثا، بسلبياتها وإيجابياتها، وبكل تجرد.
سرحان
وصف مدير ثانوية خليل سالم الرسمية سهيل سرحان – بطرّام- «بزهرة زيتون الكورة الخضراء»،«لأني فيها ولدت وترعرعت وأبصرت النور، وفي ساحاتها لعبت ومن سهولها جمعت الاقحوان وشقائق النعمان، ومن حفافي أوديتها السحيقة البعيدة الاغوار جمعت دويك الجبل، ومن بين جلاميدها قطفت أزاهير النرجس وطرابين الصعتر البري».
وأشاد سرحان بشخصية البطرّامي قائلا: «اينما حل البطرّامي في الارض يبقى لبنانيا عتيقا قرويا، يجمع في شخصه النقيضين. فقد علمته ارضه ان يكون كريما وبخيلا، صبورا ولجوجا، صادقا وكاذبا، متدينا وملحدا. هو ابن آدم وحواء، طلوع ونزول، شروق وأفول، حلاوة العسل ومرارة الحنظل، ابتسامة ثغر ونقطة دمع. وحياة البطرّامي خير وشر، كرم وحرص، سعة صدر وضيق، صريح ومرائي، مؤمن وكافر. قائد وراع، انما ينفرد بميزة التعلم، يمتلك اكثر من لغة، ينطق ويتواصل مع الآخر بها. ولا يمكن لأحد ان يتصور الدهشة التي اعترت سفير الارجنتين يوم حل ضيفا على ابن بطرّام البار المرحوم شارل مالك، اذ راح الاثنان يتجولان بين جلاميد الصخر الرابض في القرية، فابصرا راعيا، وأحب السفير مداعبته فحياه بلغته الام، فأجابه الراعي باللغة عينها، وسأله عن اوضاع بلاده، وعن الجالية البطرّامية فيها. فدهش السفير، وخاطب مضيفه قائلاً: هنيئا لكم بلادكم، الراعي فيها يتقن اكثر من لغة».
ولفت سرحان الى «ان الجنين عندما يبصر النور يستقبل الحياة بصرخة ضد الجهل، ويدب على الارض صغيرا فيخط على صفحتها اسطر الموت للكسل والخمول. ثم يشهر سيف إثبات الذات فتى ويزحف مع رفاق له الى بيتهم الثاني، الى المدرسة، كل يتأبط الكتاب سلاحا ماضيا يمزق به غول الجهل القابع في منعطفات الادمغة، وفي زوايا العقول. ومن بعد ينطلق حاملا الكلمة يشهرها حساما في وجه اعداء الكلمة، البطرّامي سلاحه اليراع ودرعه الكتاب، وبلدته قديمة العهد بالتعلم والتعليم، وقد يعود ذلك الى ابعد من خمسة قرون. فقد عرفت بطرّام بنسّاخها الذين رسموا كثيرا من الكتب المقدسة للكتاب «الميناون»، وما كانت الكتب تستنسخ لو لم يكن هناك اقبال عليها. ويعني هذا ان عدد القائمين على خدمة القداس الالهي قد تزايد، الامر الذي يثبت ان نسخ الكتب يعني باكورة التعلم والتعليم».
وشدد سرحان على انه «يوم كان الانسان وبالاخص العربي، مشغولا بالبحث عن تأمين لقمة عيشه ليسد رمقه، ويحفظ نفسه من الهلاك، كان ابن بطرّام يبحث عن غذاء للعقل. لقد أدرك الاجداد والآباء ان نعمة العلم لا مقعد لها، نعمة في الوجود، فالعلم باب بنظرهم كالماء الذي يشربونه وكالهواء الذي يستنشقونه، كالنور الذي يستضيئون به. فراح الوالد يعلم الابن في البيت القراءة والكتابة، واستمرت الحال الى ان جمع الطبيب البطرّامي المشهور نعمة الله الخولي بعض ابناء القرية ليعلمهم منشئا اول مدرسة في بطرّام. وتخرج منها الكثيرمن اللامعين في شتى الحقول ومختلف المجالات ثم قامت مدرسة انجيلية اخرى، وهكذا بقيت الحال وقررنا اذا مات منا سيد قام آخر. فإن قست الظروف على احدهم وقهرته واضطر الى إقفال مدرسته قامت مدرسة اخرى لتحل محلها، ولتبقى بطرّام منارة تشع لتنير الدرب امام الضالين».
وأشار الى «انه تنادى الرجال والنساء في بطرّام وراحوا يتنافسون في انشاء الجمعيات التي تعنى بتربية الشابات والشباب، فكانت جمعية ترقية المصالح البطرّامية جناحاً يساند جناح جمعية ترقية الفتاة البطرّامية. وهكذا باتت بطرّام طائرا يحلق بجناحين قويين هما الذكور والاناث، فنهض المجتمع البطرّامي ليدرك اسمى المراتب، وليحتل ابن بطرّام أفضل المراكز».
وختم مؤكدا ان بطرّام كرست انسانيتها بوعي تام للانسان الحق وللحرية الحقة وللحقيقة. بطرّام اليوم تثور عندما تبصر الناس وهم لا يحترمون الحقيقة. وعندما تراهم يؤثرون العبودية على الحرية والكرامة. هي نموذج اجتماعي لوحدة الحياة.
ملكي
وفي لقاء أجرته البناء مع عضو مجلس بلدية بطرّام، ورئيس لجنة الاشغال فيها، ومفوض مفوضية الحزب السوري القومي الاجتماعي فيليب ملكي، استهل حديثه عن المعاناة الكبيرة التي تعيشها بلدة بطرّام، جراء مشكلة الصرف الصحي، قال: «ان المجرور العام مفتوح على الاودية التي تحيط بالبلدة، ويصلها من مختلف قرى القضاء، ما يسبب تلوثا بيئيا كبيرا، والامل الوحيد بالتخلص منه هو انشاء شبكة مجارير عامة تصب في محطة تكرير، وقد لزم المشروع اخيرا الى المهندس غسان رزق صاحب الشركة المتعهدة «هومن»، وهناك وعود بأن العمل سيباشر به قريبا وعلى مستوى القضاء، من بلدة كوسبا حتى البحصاص، ويتضمن مضخات ومحطات، انما في ظل غياب الحكومة وعدم صرف الاعتمادات اللازمة، يبقى التخوف قائما من التأخير وعرقلة المشروع».
ولفت ملكي الى «ان المجلس البلدي السابق برئاسة ايلي خوري نفذ قسما من مشروع الصرف الصحي على مساحة كيلومتر واحد، من حدود بلدة بشمزين الى داخل بلدة بطرّام، وعند بداية ولاية البلدية الجديدة، بوشر جمع الاموال لاستكمال المشروع وتسديد المبالغ المترتبة على البلدية».
وتناول ملكي بعض ما أُنجِزَ من مشاريع خلال هذه السنة من تاريخ تولي المجلس مسؤولياته وأهمها: «استصلاح بعض الطرق الداخلية والزراعية، تنظيم الطريق الداخلية عند الكنيسة، حيث وجه السيرباتجاه واحد، انشاء الحديقة العامة، اقامة حملة تشجير عند مداخل البلدة بما يقارب الخمسمئة شجرة من الكينا والدفل، زرع الزهور عند الجسر، دعم ثانوية البلدة وتكميليتها، تنظيم مسرحية للاطفال في فترة الاعياد، تقديم مساعدات اجتماعية الى المرضى، دعم النشاطات الاجتماعية في البلدة، الاهتمام بالنادي الرياضي ماديا ومعنويا، التعاون مع جمعية «ترقية المصالح البطرّامية» في استراليا لتنفيذ البعض من المشاريع، كما ان التعاون قائم بالتكامل بين مفوضية «القومي» في البلدة والبلدية».
وعرض ملكي أهم المشاريع المستقبلية التي تسعى البلدية الى تنفيذها وهي: «اعادة تأهيل الطريق من الثانوية حتى حدود بلدة كفرعقا، شق طريق زراعية من امام منزل جرجي طنوس الى المنطقة باتجاه ضهور الهوا، شق الطريق وتعبيدها من العجمية باتجاه حدود بشمزين. كما ان البلدية، رغبة منها في المساعدة في الشأن الصحي، تضع في اولويات اهتماماتها انشاء مستوصف يقدم خدماته الى أبناء البلدة، وذلك بدعم ومساندة من بعض الهيئات الاجتماعية في البلدة».
وختم ملكي بأن «لا شي يعيق العمل البلدي الا حجز اعتمادات المجالس البلدية التي تقف حائلاً دون تنفيذ الكثير من المشاريع الانمائية الملحة».
يونس
من جهته تحدّث كاتب بلدية بطرّام فؤاد يونس لـ«البناء»، عن الوضع الاقتصادي في البلدة، «والذي كان ناشطا قبل ان تتدهور الاوضاع العامة، ويهاجر الاهالي، وتخلو المنازل من سكانها، وتعرض الاراضي والاملاك للبيع إلى «الغرباء» عن بطرّام». واضاف: «كان الناس يعتاشون من الزراعة على اختلاف مواسمها، وأهمها الزيتون التي باتت تشكل خسارة كبيرة للمزارع اليوم، فقد كان في بطرّام ثماني معاصر للزيتون، أمّا اليوم فلم يبق منها شيء، وكان أديب سالم وحده ينتج اربعمئة «قلة» زيت في الموسم، ما لا تنتجه البلدة بكاملها اليوم».
وتساءل يونس: «كيف باستطاعة المزارع ان يصمد في ارضه، ويعيش من رزقه، اذا لم يلق الدعم المطلوب من الدولة؟، في أيامنا هذه تغير الوضع الاقتصادي كثيراً وبات يمثل مشكلة، والمزارع بحاجة الى مساعدة خاصة، بالنسبة إلى مرض عين الطاووس الذي يكلف مصاريف فوق طاقة المزارع لمكافحته، ولم تصل البلدة اي مساعدة، كما ان اي ملاَّك لا يمكنه العمل في ارضه اذا لم يكن يملك المعدّات كاملة، اذ ان كلفة «فدان» الفلاحة الواحد ثمانين الف ل.ل. بسبب غلاء المازوت واليد العاملة».
وأشار الى اسباب النقص في اليد العاملة، وغلاء اجرتها، بتوجه الجيل الجديد الى العلم وحده دون الالتفات الى الارض والاهتمام بالعمل فيها وجني محاصيلها، كما ان الهجرة تؤدي دوراً كبيراً، إضافة الى توجه الشباب الى العمل في المجالات التجارية او الاتجاه الى العمل في دول الخليج في مختلف الاختصاصات».
وأشار يونس بأسف الى ظاهرة بيع الاراضي والاملاك، وروى عن «بيت سركيس الذين هم من كبار الملاكين في البلدة، حتى ان حيّاً بكامله كان باسمهم، وبسبب هجرتهم الطويلة الى الارجنتين، باعوا كل ما يملكون ولم يعد باسمهم أي عقار».
واستعرض يونس أهم المؤسسات الموجودة في البلدة، وهي مؤسسة ميشال اسحق سرحان، معمل المعكرونة، مدرسة اليونفرسال سكول، الكورة ريزيدنس، سوبرماركت ملكي، ومحلات تجارية كانت سابقا واقفلت لاسباب متعددة.
ودعا الشباب إلى «العودة الى الوطن والتمسك ببلداتهم، خصوصاً ان بطرّام بحاجة الى اهلها المغتربين، الذين بغيابهم غاب عن البلدة فرحها، وقد كان مركز البلدية مقرا لجمعية تقيم كل موسم صيف نشاطات ترفيهية، ومسرحيات وحفلات فنية، يشارك فيها الجميع، كما ان البلدة خسرت النادي الرياضي لغياب الشباب عنه، وهجرتهم التي فاقت نسبتها السبعين في المئة، لغياب الفرص التي تمنى اخيرا على الدولة تأمينها لهم، للمساعدة في عودتهم الى موطنهم».
نصر
وتناول الناشط اجتماعياً إدمون نصر، العلاقات الاجتماعية في بلدته قديماً وحديثاً، ورأى «إن بطرّام مثل سائر القرى الكورانية التي كانت تسود علاقاتها الاجتماعية روح الالفة والمحبة والبساطة، بعيداً من التردي في وحول الخبث والرياء، كانت العلاقة ندية واضحة، ويسود التعاون بين الافراد، الى ان هبت رياح المدنية والحضارة، ولم تقو قواعد الحياة الاجتماعية في القرية على التصدي لها، فلم تعد القرية قرية، فأين الهدوء واين الطمأنينة وراحة البال؟ لقد ضربت المدنية والحضارة القرية وزعزعتها، وكل قرية اصبحت مدينة صغيرة، وراحت العلاقات الاجتماعية تتاثر بالاجواء الجديدة، فصارت باردة تفتقر الى حرارة المحبة، وصدق التواصل، ولم تعد الزيارات العائلية كما كانت عليه، وصرنا نرى البيوت شبه مقفلة الا أمام الاهل والاخصّاء».
وشدد نصر على ان «القرية افتقدت ركناً اساسياً من ثوابتها، وهو التواصل الاجتماعي الذي اقتصر في ايامنا على مناسبات الافراح والاحزان، والذي يحوي حس المشاركة، ربما لأن الناس يعتبرون الموت قاسماً مشتركا بينهم، والمصير المحتوم، لذلك تكون فيه مشاركة من جهة «كما تراني يا جميل اراك». اما المناسبات الاجتماعية من التهنئة بنجاح او عودة مسافر، أو الاطمئنان إلى صحة مريض، فقد فقدت بشكل لافت بعض بريقها، وكادت تنعدم مقتصرة على الاخصّاء والاهل، ومردّ ذلك الى برودة في الحياة الاجتماعية تكاد تتحول الى لا مبالاة».
وختم قائلاً: «أحب القرية، وأتمنى لو تعود تلك الايام الحافلة بالحنين والعاطفة والصدق والمحبة».
العيناتي
على الحدود بين بلدتي بشمزين وبطرّام، وادٍ تجري فيه المياه المبتذلة، وحول ما تسببه من اضرار التقت «البناء» صاحب صالون حلاقة رجالي، سمعان العيناتي الذي تحدث عن الروائح الكريهة التي تنبعث من الوادي خلال المساء، إضافة الى تكاثر البرغش والبعوض والحشرات الزاحفة، والجرذان التي تملأ المكان.
ولفت العيناتي الى «أن الوعود بإزالة هذا الخطر البيئي كثيرة منذ اكثر من 12 سنة، ولكن من دون جدوى، لأنها تحتاج إلى تضافر جهود الدولة والبلديات معا، لإيجاد حلول جذرية، اذ ان البلدية تقوم بحملات رش مبيدات للحشرات وهي غير كافية، والحياة في المنطقة بكاملها، في بشمزين وفي بطرّام لا تحتمل من التلوث».
ولفت الى «أن بلدة عابا تعاني ايضا من مشكلة كبيرة في مياه الصرف الصحي، اذ لا شبكة مجارير فيها، قديما كانت الناس تشرب من نبع مار الياس الحي لصفاء ونقاوة مياهه، واليوم بات ملوثا من المياه المبتذلة». وتساءل: «أين المسؤولين والنواب؟ الا يهمهم الوضع المتردي الذي يعيشه الشعب؟ ولماذا الكورة وحدها محرومة من الانماء في الدولة اللبنانية؟».
خشجي
بدوره جوزيف خشجي، صاحب مكتب «أميا تاكسي» والذي يسكن في المنطقة منذ عام 1996، يشكو من الوادي، ويقول لـ«البناء»: «انها منطقة راقية وحضارية، انما مشكلة الوادي ورائحته الكريهة تحتاج لاهتمام كبير من قبل المسؤولين، ومن قبل البلدية التي يجب ان تضاعف رش المبيدات لتقضي على الحشرات والبعوض، ومن قبل الدولة التي يقع على عاتقها تنفيذ مشروع متكامل للقضاء، لأنها الوحيدة القادرة عليه، فقد سبق ان عاين المكان عضو الهيئة المركزية في التيار الوطني الحر المحامي جورج عطالله، انما المشروع يفوق طاقة جهة واحدة، ويحتاج الى تضافر الجهود».
ولفت خشجي إلى ان المشروع لُزّم الى شركة «هومن»، وهي ستقوم بتنفيذه بالسرعة القصوى خلال اربعة اشهر، وما يخشاه عدم صرف الاموال للتنفيذ بسبب وضع الحكومة، او سحبه الى منطقة اخرى كما حصل سابقا».
واستغرب «لماذا لا تنجز اعمال البنى التحتية دفعة واحدة، فاعمال الاوتوستراد ما كادت تنتهي لتعود الحفريات من جديد، بسبب مشروع الصرف الصحي، وفي كل ذلك هدر لاموال الدولة، ولتوزيع المزيد من الحصص على بعض المستفيدين من المسؤولين».
قاسم
وعرض عضو مختارية ضهور الهوا محسن قاسم، للوضع العام المتردي في منطقته التي كانت تابعة كليا لبلدة بطرّام، ثم وضعت اداريا تحت تصرف القائمقام، إنما تجبى العائدات منها لصالح بطرّام، واليوم يتم البحث في مشروع فصل اداري، وسجلاتها باتت في العقارية، وللمرة الاولى يصار الى انتخاب مختار فيها.
ومما قاله: «ان المنطقة بحاجة الى الكثير من الخدمات الضرورية، ان على مستوى الطرق التي تحتاج الى صيانة، او الصرف الصحي، او حتى تنظيف جوانب الطرق من الاعشاب، ورش المبيدات لمكافحة البرغش، او لفتح مدرسة، خصوصاً ان هناك ما يقارب 400 طالبا من ضهور الهوا، وسبق ان قدّم الاهالي الجامع ليكون مدرسة، الا ان الدولة اقفلتها في الثمانينات نتيجة عدم دعمها لها».
وناشد قاسم القائمقام ان «يهتم بأعمال الصيانة وتصريف الاعمال في ضهور الهوا، لأن الاهالي لم يعودوا يحتملوا الوضع القائم، كما دفع تكاليف التخلص من النفايات، وإن كان المبلغ عشرة الاف ليرة عن كل منزل، بات فوق طاقاتهم، خصوصاً انهم يدفعون مستحقاتهم الى بلدية بطرّام».
حسن
من جهته نوّه علي توفيق حسن من ضهور الهوا بمنفذ عام الكورة في الحزب السوري القومي الدكتور باخوس وهبة، «لجهوده ومساعيه مع شركة «هومن» لجرّ المياه الى المنطقة، وقد كانت تفتقد اليها لقدم عهد شبكتها، التي تعود إلى أكثر من خمسين سنة، ولأسباب سياسية وطائفية، لذلك رفعت اللافتات تشكر المنفذ وشركة «هومن»، متمنين لو ان الدولة تلتفت الينا عبر مسؤوليها، وتؤمن لنا احتياجاتنا الانمائية ولو بالقليل».
زيادة
«البناء» التقت صاحب مشاريع بناء تجارية على الطريق العام في بطرّام مقابل الوادي، كميل زيادة، الذي أكّد متفائلاً «إن مشروع الصرف الصحي سيكون منجزاً خلال هذا الصيف على أبعد تقدير، لذلك تزدهر المنطقة بالبناء وتقام فوق الوادي صالة للكومبيوتر لتسلية الشباب».
تفاؤل زيادة «الزايد»، مردّه إلى «إن الشركة المتعهدة هي للمهندس غسان رزق الذي يحظى بتقدير الجميع في الكورة»، وتمنى ان تهتم الدولة بالبيئة كما يجب لأن الضرر عندما يقع يصيب الجميع».

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.