توقف الأشغال في سدّ العاصي يحرم لبنان من ملايين الأمتار المكعبة من المياه

0

صحيفة السفير ـ
ركان الفقيه:

ينظر المزارع حسين علاء الدين إلى أرضه المستملكة من أجل بناء السد «الحلم» على نهر العاصي كل صباح بحسرة بالغة، ويمني النفس بأن إنجاز مشروع السدّ سيساعده على ريّ المساحة المتبقية لديه، لعل ذلك يعوض بعض ما خسره من الأراضي التي ورثها عن أجداد ماتوا على حلم ريّها يوما بمياه النهر القريب. ويسأل علاء الدين بأسى عن الأسباب التي تحول حتى الآن دون استئناف أعمال بناء السد. يقول: «لقد دفعنا الثمن مرتين، الأولى عبر تقزيم المشروع، والثانية بسبب توقف إنشائه منذ سنوات عدة وتحويل موقع العمل إلى ركام متناثر وحفر ومستنقعات دون جدوى». ويقول مستنكراً: «هل كانت الحكومة اللبنانية بانتظار القصف الإسرائيلي لموقع بناء السد كي تتوقف عن إنجازه؟ وأي عاقل يمكن أن يقتنع بأن الأجهزة المختصة في الحكومة ووزارة الطاقة والمياه غير قادرة ومنذ خمس سنوات حتى الآن على اتخاذ قرار باستئناف الأعمال؟ وهل كتب على أبناء منطقة الهرمل أن يكونوا دائماً بين سندان متعهدين لا حدود لأطماعهم وحكومات متواطئة معهم لا يهمها سوى تحقيق مصالح أولئك المتعهدين، الذين اكتوى أبناء منطقة الهرمل بسوء تنفذيهم لبعض المشاريع، التي خصصت لها على غفلة كالصرف الصحي وشبكة مياه الشرب وعدد من الطرق، التي سرعان ما تمتلئ بالحفر بعد إنجازها مباشرة وغيرها؟»، لافتاً إلى أنها «المهزلة بعينها، وهي برسم جميع الفعاليات والمراجع الحكومية وغير الحكومية المعنية بتنفيذ تلك المشاريع».
ولا يقتصر الأمر على المزارعين، بل يمتد الترقب والانتظار إلى أصحاب المقاهي والمطاعم القريبة من موقع السدّ، الذين باتوا عالقين بين تطوير مؤسساتهم أو إغلاقها وتصفيتها كون السد سيقام مكانها أو بالقرب منها مباشرة، ما يعطل إمكانية استثمارها بعد الاستملاك وهي حال عبد المنعم عابدين، الذي يؤكد على أن «مشروع السدّ الصغير، الذي ينفذ حالياً، لا يلبي الحاجات الإنمائية للمنطقة، وعلى الرغم من ذلك يتم التأخير في إنجازه، ما يجعل أصحاب المقاهي والمطاعم الموجودة عند موقع السدّ التخزيني، أو المجاورة له، في قلق دائم على مصير مؤسساتهم».
وكانت اتفاقية تقاسم مياه نهر العاصي بين لبنان وسوريا، التي وقعت في العام 1994، أعطت لبنان حق التصرف بما نسبته 20 بالمئة من المياه. واستكملت الاتفاقية بالإعلان عن «مشروع العاصي لري أراضي القاع والهرمل»، أو ما يطلق عليه أبناء المنطقة مصطلح «السد الصغير»، الذي أنهى الحلم الذي راودهم لأجيال بإقامة سد كبير على النهر، وبحيرة تخزن حوالى 80 مليون مكعب، وهي حصة لبنان من مياه النهر، وبمساحة تصل إلى 420 هكتارا، وإنتاج طاقة كهربائية بما يقارب 50 ميغاوات، من دون الحصول على إجابة شافية من قبل الأجهزة الفنية والإدارية والسياسية، التي واكبت مراحل توقيع اتفاقية المياه بين لبنان وسوريا، وصولاً إلى مرحلة إقرار مشروع السدّ وفقا للدراسة التي تنفذ حالياً. تشمل ثلاث مراحل، هي إقامة سد تحويلي بارتفاع عشرة أمتار بالقرب من منبع النهر يسمح بضخ ما بين 6 و8 أمتار مكعبة من المياه إلى خزانين، يتم إنشاؤهما عند أعلى نقطتين إلى جانبي النهر، لريّ ما يقارب سبعة آلاف هكتار من الأراضي الزراعية، وإنشاء سدّ تخزيني على بعد أربعة كيلومترات ونصف من السد التحويلي، بسعة 37 مليون متر مكعب، وبارتفاع 65 متراً وعرض سبعمئة متر، وبحيرة بمساحة 250 هكتارا من المياه. بالإضافة إلى مرحلة ثالثة وأخيرة، وهي تتضمن إقامة محطة لتوليد الطاقة الكهربائية بالقرب من السدّ التخزيني، بقدرة تتراوح بين 6 و8 ميغاوات، لتشغيل محطتي ضخ المياه إلى جانبي النهر، ومد شبكة حديثة للريّ على طول ضفتيه لريّ حوالى 2500 هكتار في سهل الهرمل، و3500 هكتار في سهلي رأس بعلبك والقاع.
وقد تم تلزيم المرحلة الأولى من أعمال السدّ في العام 2004، وبدأ تنفيذها في العام 2005، وتوقفت إثر تعرض مكاتب الشركة التي تولت التنفيذ، إضافة لبعض الإنشاءات الأخرى للقصف من قبل الطائرات الحربية الإسرائيلية خلال عدوان تموز من العام 2006، وحصول بعض الأضرار. وتبع ذلك خلاف بين الحكومة اللبنانية وصاحب الشركة المتعهدة حول نسبة التعويض عن الأضرار، التي لحقت بموقع العمل والمكاتب الإدارية للشركة، ما أدى إلى امتناعه عن متابعة أعمال بناء السد التحويلي والانشاءات التابعة له، (خزانان إلى جانبي النهر، ومد الأنابيب المطلوبة لضخ المياه إلى داخلهما).
ويتحول المثل القائل «رضينا بالمصيبة ولكن المصيبة ما رضيت فينا» إلى لسان حال أبناء منطلقة الهرمل من مزارعين وأصحاب مؤسسات سياحية ومواطنين، منذ توقف أعمال المرحلة الأولى من السدّ. وتتعدد الأسئلة حول الأسباب المانعة لاستئناف بناء السدّ، بالرغم من توفر المبلغ المطلوب، الذي يقارب الثلاثين مليون دولار، حيث يجري تدويره ضمن الموازنة العامة سنة بعد أخرى، من دون أن تتم المباشرة بالأعمال. وإذا كان السبب المعلن هو خلاف مع المتعهد بسبب المبلغ الذي طلبه كتعويض عن الأضرار التي لحقت بمكاتب الشركة وبعض الانشاءات. فلماذا لم يتم فسخ الاتفاقية معه، وتلزيم الأعمال لشركة أخرى عبر مناقصة جديدة أو إجباره على بدء العمل بالقسم الذي تعهد إنجازه؟ تبدو تلك الأسئلة مؤلمة لأبناء المنطقة بقدر انعدام الإجابة وعليها، وكأنها رجع صدىً في واد سحيق، نظراً لأهمية المشروع في تأمين مئات فرص العمل، وريّ مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية وتحسين المناخ لجهة زيادة رطوبة الهواء ومحاربة التصحر الزاحف على المنطقة، وزيادة الثروة السمكية وتعزيز السياحة. وتمتد التساؤلات لتطاول التأخير أيضاً في تلزيم المرحلة الثانية من المشروع أي بناء السد التخزيني بالرغم من استملاك الأراضي المطلوبة لذلك، وتتراوح كلفته بين السبعين والثمانين مليون دولار أميركي.
ويوضح رئيس اتحاد بلديات قضاء الهرمل مصطفى طه بأن «الأمر تجاوز مرحلة المقارنة بين السد الكبير والسد الصغير، نظراً لمباشرة أعمال المرحلة الأولى من السد منذ العام 2005، واستملاك الأراضي المطلوبة لبناء السدّ التخزيني»، معتبراً أن «المسألة باتت تكمن في الإسراع بإنجاز الأعمال والعودة إلى مباشرتها، لأن السدّ، بغض النظر عن حجمه، أصبح أحد أهم المشاريع الإنمائية التي تخفف من وطأة الحرمان الذي تعيشه المنطقة». ويأمل طه بإيجاد حلّ للمشكلات التي تعيق انطلاق الأعمال، معولاً على «اهتمام وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، الذي أعلن عن خطة إنشاء السدود في لبنان».
ويقول رئيس اللجنة الزراعية في بلدية الهرمل المهندس الزراعي نظام حمادة: «إن مشروع السدّ لا يحقق الحلم الإنمائي لأبناء المنطقة. لكن الواقعية تقتضي تنفيذ المشروع وفق دراسته الحالية، خصوصاً أنه يحمل فوائد عديدة على صعيد زيادة المساحات الزراعية المروية والثروة السمكية، وتعزيز السياحة ومواجهة التصحر، الذي يهدد المنطقة وحمايتها من خطر السيول الذي يهدد بإتلاف المزروعات»، لافتاً إلى أنه «سبق قرار اعتماد الدراسة الحالية للسدّ، سلسلة طويلة من الاجتماعات التي شارك فيها مهندسون مختصون ببناء السدود، وخبراء فنيون، وممثلون عن بلدية الهرمل، ومؤسسة جهاد البناء، ووزارة الطاقة والمياه. وتبين في نهايتها أن هناك أسبابا عدة تحول دون تنفيذ مشروع السد الكبير. وأن الدراسة التي تنفذ حاليا هي الوحيدة الممكنة». ويعيد حمادة أسباب التأخير في استئناف الأشغال إلى «تلكؤ الحكومات المتعاقبة، وخصوصا حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى، التي أهملت القضية لأسباب نجهلها».
في المقابل، يتحفظ متعهد أعمال المرحلة الأولى من المشروع محمود الحطاب على الدخول في أي تفاصيل حول الأسباب التي أدت إلى التوقف عن متابعة العمل، مشيراً إلى أن هناك تعويضات لشركته جراء تعرض موقع إنشاء السدّ، ومكاتب الشركة للقصف في العام 2006 لم تدفع، مؤكداً على أن «الطرف الوحيد المعني بالتحدث عن الأسباب التي أدت إلى التأخير في استئناف الأعمال هي وزارة الطاقة والمياه، خصوصا أن ذلك من مسؤوليتها المباشرة». ويقول مصدر في وزارة الطاقة والمياه: «إن المشروع، الذي اتخذ عنوان مشروع ري الهرمل والقاع (تنظيم تقاسم المياه بين لبنان وسوريا) تضمن السدين التحويلي والتخزيني، وبناء محطتي الضخ ومحطة لتوليد الطاقة الكهربائية، عند أسفل السدّ التخزيني لتغذية محطتي ضخ المياه، وخصوصاً للحفاظ على تدفق نفس كمية المياه إلى سوريا، خلال فترة الذروة لاستهلاك المياه، وهي تحديداً وظيفة السدّ التخزيني». ويوضح المصدر أن «السبب في استمرار توقف الأعمال يعود إلى ارتفاع أسعار المواد المطلوبة لإنشاء السدّ بعد مرور ما يقارب الخمس سنوات على التوقف. ولم يعد بإمكان المتعهد متابعة الأشغال وفقاً للالتزام السابق بسبب ارتفاع الأسعار»، لافتاً إلى أن «الوزارة قامت ببعض المساعي لإطلاق العمل بالمشروع ووضعت صيغة للحل مع المتعهد، تناسب مصلحة الدولة، خصوصاً أن العقد مــعه لم يصفّ حـــتى الآن، ولكـــننا لا نستطيع الآن ترجمته بســـبب دخول الحكومة مرحــلة تصريف الأعمال بانتظار تشكيل الحكومة الجديدة».

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.